علي راشد النعيمي


لقد أثبتت أحداث الربيع العربي البون الشاسع بين النخب العربية بمختلف أطيافها والشباب العربي، فهذه النخب تعاملت مع الأحداث في بداياتها بمنطق التشكيك والمراهنة على قدرة الأنظمة على احتوائها والسيطرة عليها لما تملكه من أجهزة أمنية ذات قدرات كبيرة وكذلك للدعم الخارجي نتيجة تحالفاتها مع الغرب بالإضافة إلى نظرتها الخاطئة للشباب العربي واتهامه بالسلبية والسطحية واللامبالاة بالشأن العام. ومع استمرار الأحداث وازدياد زخمها حاولت هذه النخب من مختلف التيارات اللحاق بالركب ولكنها بقيت عاجزة عن ملاحقة الشباب في سقف المطالب التي يتبنونها، الذي كان يرتفع مع مرور الوقت وازدياد الضحايا بين صفوفه، بل إن البعض من هذه النخب كان يفاوض الأنظمة متوقعاً أن الشباب سيقبلون بهم كممثلين لهم لأنهم يعتقدون أن هؤلاء الشباب يفتقدون الخبرة والحنكة، وإنه ليست لديهم القيادة التي تملك خبرة النخب وحنكتها. وبعد سقوط الأنظمة قفزت بعض هذه النخب فوق تضحيات الشباب زاعمة أنها كانت في صدارة الأحداث وأنها كانت من ضحايا النظام السابق وأنه قد آن الأوان لتخدم الوطن بترشحها للمناصب العليا!

ويبقى السؤال الذي لابد من السعي للإجابة عليه: لماذا فشلت النخب العربية فيما نجح فيه الشباب العربي؟ هل لأن جزءاً منها طوعته السلطة فأصبح خادماً لها لا يرى إلا ما يراه النظام حتى آل به الأمر لأن يكون جزءاً من النظام في فساده وجبروته وظلمه لشعبه أم أن فريقاً آخر اختار طريق السلامة لنفسه، وابتعد عن الشأن العام حتى لا يصطدم بالنظام ويعرض نفسه للأذى؟ وهناك من النخب من بلغ به الأمر حد اليأس من إصلاح الأوضاع نتيجة للفساد المستشري والتخلف الذي نخر في جسد الأمة فاختار الابتعاد والانزواء. ولكن ماذا لو كانت النخب السياسية فاعلة وقائمة بواجباتها الوطنية، هل سيصل الأمر بين تلك الأنظمة وشعوبها إلى درجة القطيعة وإسقاط النظام؟ ألم يكن من مصلحة الأنظمة أن يكون لهذه النخب صوت لدى الجماهير تستطيع أن تستفيد منه وقت الحاجة؟

ومن هذا المنطلق ينبغي الآن على النخب العربية أن تلتصق بالشعوب، وأن تعيد بناء العلاقة معها بحيث تكون ذات اتجاهين لأن بعض هذه النخب لا يحسن الاستماع بل يجيد التوجيه والتحدث باتجاه واحد فقط، ولهذا وجدت الفجوة بينهم وبين الشباب العربي. وفي المجمل فإن الأحداث التي مرت بها المنطقة العربية أثبتت أن تهميش النخب وعدم الاستفادة منها في بناء الأوطان يؤدي إلى بروز بديل عنها من الشباب لسد الفراغ في السعي لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة، وهو حال أدى إلى دخول بعض هذه البلدان في دوامة الفوضى التي لا يستطيع أحد أن يحدد سلفاً نهايتها.