يوسف الكويليت
دعوات ترحيل اللاجئين الفلسطينيين من لبنان قديمة قدم وجودهم على أراضيه بعد النكبة عام ١٩٤٨م، وقيل الكثير حولهم بأنهم سيكونون جزءاً من الطائفة السنية لتضاعف أعدادها، وقيل أيضاً إن توطينهم سيجعل لبنان الوطن البديل، لكن الجديد هو دعوات لترحيل اللاجئين السوريين وإغلاق الحدود معهم، وحتى لو كان رأياً فردياً معلناً يجد بعض التأييد من شريحة ما، فإن من طالبَ بذلك جزء من نسيج الدولة، لكن القراءة الموضوعية أن البلدين ظل خيارهما التعايش والتقارب حتى إن الدخول بالهوية فقط بينهما أكد روح التلاقي بل إن لبنان أساء لسورية طيلة عدة عقود عندما ظل ملتقى المؤامرات من قبل السفارات الأجنبية الشرقية والغربية في إحداث التغييرات في سورية تحديداً..
أما أن تخرج هذه المطالب وقت محنة الشعب السوري فهو أمر يثير البغضاء بينهما لأن سورية ظلت صاحبة الفضل على لبنان اقتصادياً وسياسياً، وبخلاف رغبة حزب الله، الذي يتمنى قتل اللاجئين لا طردهم جاء من يعبر عن رغباته بدون أن يتورط في موقف سياسي معقد، وإذا كان القصد الضغط على الشعب السوري فهي مشكلة قد لا تكون آثارها اليوم والمؤكد أن رحيل الأسد، ووجود حكومة وطنية، سوف يزيلان آثار ما فعلته سلطة دمشق في عصر الأسدين الأب والابن، لكن لو استقرت سورية فسوف تكون الإضافة الحيوية للبنان، وليس من المصلحة كسب عداء شقيق طالما آوى لاجئي لبنان كمواطنين يتساوون مع السوريين بكافة الحقوق أسوة بما هو مطبق مع الفلسطينيين..
فلبنان بدون سورية سيكون مقطوع الصلة مع مشرقه العربي كله، وقد عرفنا في أوقات سابقة، وحتى اليوم في زمن الثورة، أن إغلاق الحدود بين البلدين يضر بلبنان بشكل مباشر، ويجعله في عزلة تامة، ومن يضمن أن لا تكون الأمور تتجه للتصعيد إذا أصر بعض اللبنانيين على دعواتهم لإعادة لاجئي سورية، والتبعات التي ستجعل أي حكومة قادمة سوف تحاسب على الإساءة التي لحقت السوريين..
صحيح أن لبنان آذته المواقف السابقة، لكن طبيعة تركيبته السياسية سبب مباشر، فكل طائفة، أو حزب، أو تشكيل سياسي يضع مواطنة لبنان بالبند الثاني لصالح دولة أو قوة خارجية ما أضعف بنيته السياسية والأمنية.. وسورية إذا كانت جزءاً من المشكلة فهي ليست كلها، ولذلك فإن الرؤية الموضوعية لعلاقات البلدين يجب أن لا تبنى على المهاترات والانفعالات غير المسؤولة، لأن سورية كيان له دوره العربي وأكثر من يتأثر بأوضاعها هم اللبنانيون أنفسهم..
قطعاً هناك من يريد تأجيج المواقف لتكون إسرائيل الكاسب الأكبر، وهناك أيضاً لبنانيون يدركون مخاطر الخلافات مع جار مهم ومؤثر، لكن كما (أن النار من مستصغر الشرر) فإن تصريحاً أو قولاً من مسؤول قد يصعد الأمور ويعقدها، والبلدان كلاهما يمر بأزمة وإن تفاوتت النسب والأثر، لكن حكماء لبنان هم من يدرك أن طبيعة الجوار الجغرافي لايمكن أن تتغير، ويجب فهم ذلك من خلال علاقات حميمة بين الجارين..
التعليقات