سركيس نعوم

أثارت مواقف الجمهورية الإسلامية الايرانية من quot;الربيع العربيquot; تساؤلات كثيرة نظراً الى التناقض الذي شابها. فهي اعتبرته نتيجة للثورة التي أدت الى قيامها في ايران. لكن عندما وصل هذا الربيع الى سوريا اعتبرته مؤامرة صهيونية ndash; اميركية ينفذها اعداء الإسلام في المنطقة العربية والعالم. انطلاقاً من ذلك، فإن السؤال الذي يُطرح هنا هو: ما هو الموقف الإيراني الفعلي من quot;الربيع العربيquot;؟
والجواب عن هذا السؤال يقدمه قريب جداً من طهران ومتابع لسياسات حكومتها على كل الصعد، فيقول إن في ايران رأيين حيال quot;الربيعquot; المذكور. الأول، يؤكد انه مؤامرة اميركية - صهيونية. ومن أصحابه رئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد. والثاني، يؤكد انه (اي الربيع) صحوة إسلامية لا بد ان تدعمها ايران الإسلامية وأن تستفيد منها في الوقت نفسه. ومن أصحاب الرأي الثاني هذا مرشد الجمهورية الولي الفقيه آية الله علي خامنئي. طبعاً لا يعني وجود الرأيين المتناقضين وجود اختلاف أو تناقض داخل الحكم الايراني في المواقف من الدول التي شملها quot;الربيعquot;. فالآراء التي قد تختلف شيء، وسياسة الدولة التي لا تزال للولي الفقيه الكلمة الأولى بل الوحيدة فيها شيء آخر. ولعل أبرز دليل على ذلك هو الموقف النظري داخل ايران من ربيع سوريا والموقف العملي منه والسياسة التطبيقية للأخير. فالثاني يعارض الربيع السوري ويدعو الى مساعدة نظام الأسد لمواجهته والقضاء عليه. في حين ان الأول يعتبره صحوة. ورغم هذا التناقض فإن السياسة التي اعتمدتها ايران بايعاز من المرشد والولي الفقيه انطلقت من اعتبار quot;ربيع الشامquot; مؤامرة اميركية ndash; صهيونية. ولهذا السبب دعمت طهران الأسد ونظامه بكل ما تستطيع. ولا تزال متمسكة بالاثنين رغم الضغوط الدولية التي تمارس عليها سواء بسبب ملفها النووي ومشكلاتها المتنوعة مع الغرب والعالم عموماً، أو بسبب دعمها للنظام السوري. ورغم التناقض نفسه يبدو، ودائماً استناداً الى القريب جداً من طهران نفسه، ان موقف ايران من مرحلة ما بعد حسني مبارك وتحديداً من الانتخابات التشريعية التي أجريت في مصر ثم الإنتخابات الرئاسية التي لا تزال في حاجة الى استكمال، يبدو ان هذا الموقف يميل الى تأييد وصول quot;الاخوان المسلمينquot; الى رئاسة الدولة المصرية، والى تأييد حصولهم على موقع مُقرِّر او قوي في مجلسي الشعب والشورى وإن من دون المبالغة علانية في الحديث عن هذا الموضوع. ففي الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية كانت ايران ضد انتخاب سلفي للرئاسة، باعتبار ان quot;الحركة السلفيةquot; صنعها الرئيس المعزول حسني مبارك، وقد تكون صنيعة اميركا ايضاً. وكانت مع انتخاب مرشح quot;الاخوانquot;. وإذا تعذر ذلك لسبب ما فالمرشح الخارج من صفوفهم ابو الفتوح. وهي الى اليوم اي في الجولة الانتخابية الرئاسية الثانية مع المرشح quot;الاخوانيquot; مرسي. أما مبرر موقفها هذا فهو رغبة ايران في رؤية مصر جديدة وديموقراطية وإسلامية، وهو ايضاً علاقاتها القديمة مع quot;الاخوانquot; المصريين التي كانت جيدة ولا تزال. هكذا يعتقد الايرانيون. وهو ثالثاً، اقتناع ايران بأن مصر دولة مهمة في العالم العربي وبأن علاقتها الجيدة معها بعد الربيع وفي ظل الدور الواسع لـquot;الاخوانquot; فيها تساعدها (إي مصر) على استعادة الزعامة العربية، وتالياً على مواجهة شقيقاتها العربيات اللواتي ظَنَنَّ انهن صرن قادة العرب. ومصر كما هو معروف وحتى مع quot;اخوانهاquot; تقف دائماً ضد التطرف وضد التشدد الإسلامي وخصوصاً quot;الخليجيquot; وضد استهدافه الشيعة.
هل تستطيع ايران الإسلامية ترجمة موقفها المؤيد لوصول quot;اخوانquot; مصر الى رئاسة الجمهورية؟
لا تستطيع ذلك، يجيب القريب جداً من طهران نفسه لأسباب عدة ابرزها اثنان: الموجة المذهبية المتصاعدة في المنطقة، واقتناع مصر بـquot;أزهرهاquot; وquot;اخوانهاquot; وكل مسلميها ومسيحييها بأن النظام الايراني يسعى الى quot;تشييعquot; ما في مصر. والأدلة عندهم موجودة وآخرها اقدام شيعي لبناني توجه من ايران الى مصر على تأسيس حسينية فيها وهي شيعية طبعاً. وقد تم اقفال الحسينية. وتحدثت عن ذلك وسائل الإعلام. كما غادر الذي أسسها أرض الكنانة إما الى بلاده وإما الى ايران. لكن ايران ترغب في ان لا يعود quot;الفلولquot; الى السلطة في مصر اي أحمد شفيق المرشح للرئاسة. ولذلك فإنها تتمنى ان يصوّت أقباط مصر لـquot;الاخوانquot; اي لمرسي، وهم ليسوا أقلية على الاطلاق، وفي استطاعتهم ترجيح كفته. وتتمنى ايضاً أن يتذكر الأقباط ان مظالمهم حصلت في عهد مبارك والذي قبله ومن الجماعات الإسلامية التي رعياها لمواجهة quot;الأخوانquot;.