بسام البدارين


لا تستطيع السلطات الأردنية بعد اليوم الإدعاء بإهتمامها فعلا بهيبة القانون ودولة المؤسسات فالنشاط الفتاك الذي تظهره الأجهزة الأمنية عندما يتعلق الأمر بنشطاء مسالمين يتحدثون بالسياسة وينتقدون الفساد يتلاشى تماما عندما يتعلق بإعتداءات علنية جهارا نهارا على ممتلكات للناس والدولة نفذتها مجاميع منفلتة بإسم العشيرة والقبيلة.
خبرات المؤسسات الأمنية إستثنائية في إحصاء أنفاس كل صحافي مناكف أو سياسي معارض وفي إطفاء السجائر في أذرع من يتجاوزون اللياقة فيصيحون في الشارع ضد الفساد.
لكن هذه القبضة الأمنية الطاغية تتعطل عن العمل وتتحول إلى مجرد أصبع مشلول لا يقوى حتى على الإشارة عندما ينتهك مسلحون ملثمون حرما جامعيا فيحرقون محتويات الجامعة أو عندما يتجمع 140 شخصا في 50 سيارة ويقتحمون مركزا للبحث النووي في جامعة أخرى.
في الحالة الثانية لا توجد قبضة أمنية ولا هيبة قانون ولا حتى تكشيرة فقد اقتحمت الجامعتان على مرأى من رجال الأمن والغريب أن الحكومة التي تصف الحراك بقلة الأدب لم تحرك ساكنا ولم تعلن حتى من باب ذر الرماد في العيون بأنها ستحقق بالإعتداءات على الجامعات.
رئيس الوزراء لديه الوقت الكافي لكي يستمع لأحدهم وهو ينافق له ولعائلته ثم يزور في اليوم التالي مؤسسة محلية لأغراض إعلان تعيين من تملق له في وظيفة رفيعة.. هنا تتنشط ذاكرة رئيس الوزراء وتصبح دقيقة ولا تتجاهل التفاصيل لكن هناك في جامعتي مؤتة والعلوم أفلت المجرمون تماما ولم يسألهم احد ..حتى أن أحدا لم يقل لنا بأن تحقيقا فتح في الحادثين.
لاحظوا معي ما الذي سرق من المركز النووي المحطم حسب لجنة إحصاء الخسائر.. المهاجمون الذين يدعي بعضهم بأن هدفهم حماية البيئة سرقوا 9 أجهزة لاب توب وسبعة لاقطات للبث والعديد من شاشات التلفزيون بعدما حطموا ما لم يكن من المناسب سرقته.
إنها عملية سطو ونهب وتخريب في وضح النهار ولا علاقة لها بإحتجاجات سياسية على المشاريع النووية والسلطات لم تحقق إطلاقا في الموضوع حتى أن التعميم الصادر بحق ملاحقة 14 شخصا من المهاجمين تم شطبه.
..بصراحة وبدون لف ودوران ذلك لا يعني إلا شيئا واحدا عمليا وهو تواطؤ السلطات مع الذين هاجموا الجامعتين أو أن عملية الهجوم على الجامعتين مبرمجة ومقصودة ونفذت بتعليمات رسمية من مجرعيات أمنية كما حصل تماما مع حادثة إحراق مقر الأخوان المسلمين في مدينة المفرق حيث قيدت ضد مجهول .. دون ذلك لا يوجد تفسير لهذا التراخي المريب في التعامل مع الحادثين.
الزميل والصديق المبدع سمير عربيات إستحضر تجربة ساكسونيا حيث يعاقب الأغنياء على جرائمهم البشعة بجلد ظلهم في الشارع فيما يسلخ جلد الفقراء حتى عند إرتكاب جرائم بسيطة وصغيرة ثم يسأل الصديق: هل أصبحنا دولة كرتونية تخشى الغوغاء ولا تحترم الشرفاء؟..هل أصبح كل ديك على مزبلته في بلادنا صياح؟
..مثل هذه الكلمات تقطر منها الحسرة وينز منها الألم على هيبة الدولة والقانون حيث تستخدم القوة الأمنية الخشنة والضاربة بمبالغة غير محسوبة في مواجهة إحتجاجات سلمية بسيطة لا ترقى إلى مستوى مخالفة السير فيما تختفي هذه القوة تماما وتصبح ناعمة ولعوب عندما يتعلق بالإعتداء العشائري البغيض على أملاك المواطنين ومشاريعهم ومرافقهم في الجامعات.
التخلص من 17 يتيما ومجهول النسب إعتصموا أمام رئاسة الوزراء للمطالبة بعدم التمييز ضدهم في الأرقام الوطنية تطلب تدخل قوات الدرك وبمنتهى القسوة وفجر الليلة الأولى لشهر رمضان المبارك. هؤلاء الفتية يزعجون رئيس الوزراء وهو يعبر في المنطقة كأم العروس بين منزله ومكتبه دون أن يقدم هو وطاقمه معالجة من أي نوع لأي مشكلة حقيقية، الأمر الذي إستدعى إتخاذ قرار ميداني بفض إعتصام الفتية بالقوة وعبر قوات الدرك قبل أن تنتهي الفضيحة كالعادة بمداخلة ملكية تحاول إحتواء هذه الجريمة وكل ما فعله الفتية الأيتام أنهم إفترشوا الأرض بهدوء في ساحة مقابل درب رئيس الحكومة فإستحقوا قوة مؤهلة من الدرك تكنسهم من المنطقة وتعتقل بعضهم وتمزق قمصان بعضهم الاخر.
..هنا حصريا تظهر هيبة الدولة والأمن بعدما دخلت في حالة {إغماء}عندما تعلق الأمر بالهجوم المسلح على جامعتي مؤتة والتكنولوجيا.. إنها فعلا ترتيبات ساكسونية بإمتياز فالنشاط الأمني فعال ويعمل بكفاءة مع المعارضين والناقدين السياسيين وأصحاب القلم والتعبير لكن هذا النشاط يصاب بالشلل تماما عندما يتعلق بجرائم علنية وفي وضح النهار يرتكبها بعض الموتورين باسم مناطقهم الجغرافية أو عشائرهم.