عبدالله السويجي
فشل المبعوث الأممي والعربي كوفي عنان في مهمته لوضع حد للعنف في سوريا وإجراء حوار بين الأطراف المتصارعة، بسبب عدم حصوله على الدعم الكافي من مجلس الأمن وأقطابه الرئيسين، وبسبب اختلاف القول الأممي النظري عن الفعل، وفي ظل ذاك التباين في وجهات النظر والتناحر الإقليمي والدولي، كان لا بد له من تقديم استقالته، ليخلفه الدبلوماسي الجزائري الشهير الأخضر الإبراهيمي الذي طلب بدوره دعماً حاسماً، وكان يعني الاتفاق الإقليمي والدولي على وجهة نظر واحدة، لكن صوته في واد والعمل الفعلي في واد، ما سيجعل استقالته محتملة . خلال الأسبوع الماضي أعلنت الحكومة الأمريكية أنها أنفقت ملايين الدولارات لتوفير معدات وأجهزة غير فتاكة، من بينها نحو 900 هاتف محمول يعمل بالأقمار الصناعية للمعارضة السورية . وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في وقت سابق خلال زيارتها الأخيرة إلى تركيا، ldquo;قدمنا مساعدات غير قتالية بقيمة 25 مليون دولار، وكان معظمها أجهزة اتصال ومساعدات أخرى للمجتمع المدنيrdquo; . وفي سياق مساعيها إلى تعزيز دعمها لمجموعات المعارضة، وضعت وزارة الخارجية الأمريكية، برنامجاً لتقديم الأجهزة والتعليمات والإرشادات للمجموعات المسلحة، ولكن هذا البرنامج يتطلب من المشاركين التوجّه إلى اسطنبول لتلقّي التدريب على تلك الأجهزة قبل أن يجري تسليمها لهم . ومن يقرأ ما بين سطور هذه التصريحات يدرك التناقض الحاد، فأجهزة الاتصال ليست (للمجتمع المدني)، وهي ترتبط مباشرة بالأقمار الصناعية التي تراقب ما يجري في ساحة القتال، وتنقل معلومات عن تحركات الجيش السوري ونظامه السياسي .
وفي السياق ذاته، وفي نهاية الأسبوع الماضي أيضاً، بدأ مسؤولون أتراك وأمريكيون أول اجتماع ldquo;لتخطيط العملياتrdquo;، يهدف إلى إنهاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد، علماً أن الاجتماع الأمريكي التركي جاء بعد يوم من مباحثات زعماء بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، في سبل دعم المعارضة السورية . وكان وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس قال خلال الأسبوع الماضي أيضاً، إن بلاده بصدد التفكير في اقتراح بشأن إقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا، بينما اعتبر وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان، أن إقامة منطقة حظر جوي في قسم من الأراضي السورية هو اقتراح ldquo;يستحق الدراسةrdquo;، مستبعدًا فرض حظر جوي شامل فوق سوريا . ومرة أخرى، هو تلاعب في مفردات اللغة، فالحظر الجوي الجزئي هو حظر جوي كامل، وسيقود إلى حرب حقيقية كما صرح وزير الدفاع الفرنسي .
إن كل تلك التحركات والتصريحات وغيرها قادت نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، إلى اتهام تركيا، بتزويد المعارضة بأسلحة متطورة للقتال في بلاده . سوريا ألمحت أيضاً خلال الأسبوع الماضي إلى قبول حل سياسي يشمل إمكانية مناقشة استقالة الرئيس السوري بشار الأسد، في إطار حوار يجمع الأطراف كافة دون استثناء أحد، وقد أعلن قدري جميل نائب رئيس الحكومة السورية يوم الثلاثاء الماضي من موسكو، أن سوريا مستعدة لمناقشة ldquo;مسألة استقالة محتملة للرئيس السوري بشار الأسد، في إطار مفاوضاتها مع المعارضةrdquo;، وكان إعلاناً مفاجئاً للجميع، إلا أنه لم يكن جديداً، فقد حاول ldquo;ميخائيل بوغدانوفrdquo; نائب وزير الخارجية الروسي تسريب أخبار بشأن استعداد الرئيس السوري بشار الأسد للتنحي، لكن وزارة الخارجية الروسية نفت صحة ما نشر من تصريحات بهذا الشأن، رغم صحته .
يتضح من الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام خلال أسبوع واحد فقط، مدى التضارب بين القول والفعل في الأزمة السورية، بل يعكس مستوى وحجم الارتباك الإقليمي والعالمي والمحلي السوري في التعاطي مع الأزمة السورية، فمجلس الأمن يكلف مبعوثه، الأخضر الإبراهيمي، للتوسط في حل الصراع الدموي الذي حصد عشرات الآلاف من الشعب السوري بين قتيل وجريح، بينما تقوم دول، هي أعضاء في مجلس الأمن الذي كلّف الإبراهيمي، ومن قبله، كوفي عنان، تقديم الدعم للأطراف المتصارعة، ولا سيّما المعارضة، لإطاحة رأس النظام بشار الأسد، وينطبق هذا القول على الموقف الإقليمي أيضاً، كما ينسحب على أطياف المعارضة التي يبدي البعض منها استعداداً للحوار، مثلما صرح وزير الخارجية الإيراني في المؤتمر الذي عقد في طهران في وقت سابق هذا الشهر، وعاد فأكده خلال الأسبوع الماضي .
لقد صادرت أطراف كثيرة مهمة الأخضر الإبراهيمي وقتلتها قبل أن تولد، مثلما قُتلت خطة كوفي عنان بالطريقة ذاتها، وقد تُقتل أي مبادرة أخرى إذا ما استمر التجاذب الدولي والتباين الإقليمي وعدم الانسجام الداخلي والخارجي السوري، وستدخل سوريا في حرب أهلية لن تضع أوزراها إلا بعد انتشارها إلى دول كثيرة وأولها لبنان، إذ بدأت بوادر الاقتتال تظهر في مدينة طرابلس القريبة من الحدود السورية .
إن مهمة الإبراهيمي ليست سهلة على الإطلاق، فهو يسير في حقل ألغام عسكري وطائفي ومذهبي وأيديولوجي تشارك في تأجيجه تنظيمات ودول كثيرة، فلم يعد سراً أن مجموعات عسكرية تحارب النظام ليست تحت مظلة المجلس الوطني السوري، ولا تخضع لأوامر الجيش السوري الحر . الإبراهيمي قال بالحرف الواحد ldquo;لا بد من الحصول على دعم أممي حاسمrdquo;، وبالتأكيد لا يعني الدعم العسكري، لأنه ليس قائداً للجيوش، بل يقصد الدعم السياسي الذي لا يعطله العمل العسكري القادم من كل الأطراف المؤيدة والمعارضة للنظام السوري، وهذا يتطلب وقف الحملات الإعلامية من الأطراف جميعها، والدفع باتجاه طاولة الحوار، وهي الحل الوحيد الذي يقود إلى وضع حد لشلال الدم وهدم البيوت ووقف تشريد عشرات الآلاف من الأسر الفقيرة، وعودة عشرات الآلاف من الأسر التي تعيش في مخيمات بائسة في تركيا والأردن، وقد بدأ هؤلاء بالتذمر من وضعهم اللاإنساني، وتواجههم السلطات بالقوة لفرض الهدوء . لم يبدأ الإبراهيمي مهمته بعد، ورغم ذلك، فهي في خطر كبير، لأن الواقع الذي ساد خلال مهمة عنان، لايزال هو ذاته، ولم يتغير قيد أنملة، وإذا ما استمرت وتيرة الشحن والاضطراب والارتباك كما هي، فإننا نتوقع أن يقدم الإبراهيمي استقالته خلال فترة زمنية وجيزة، ولن ينفع بعدها، ترشيح أحد آخر، وستدخل المنطقة كلها في أتون صراع سيستمر لسنوات طويلة، وقد تؤدي إلى حرب إقليمية، وبعض المحللين يقول، إن هذه الحرب تجري الآن ولكن بالوكالة، والخوف كل الخوف أن تتحول إلى حرب مباشرة، وينتهي دور الوكلاء .
التعليقات