سعود كابلي


الرئيس اليمني أثبت منذ انتقال السلطة إليه التزامه ببنود الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وعكست إدارته للمرحلة الانتقالية حتى الآن خطأ تصورات البعض من أن كونه نائبا للرئيس السابق يعني استمرار النظام القديم

رغم غياب اليمن بشكل كبير عن المشهد الإعلامي العربي منذ توقيع المبادرة الخليجية في نوفمبر 2011 إلا أن الساحة اليمنية تشهد الكثير من التطورات المهمة والإيجابية، وربما على عكس دول الربيع العربي الأخرى تثبت التجربة اليمنية رغم ما يعتريها من مشاكل أنها لا تزال تسير في طريق في غاية الإيجابية، وأصبح التفاؤل بحدوث تحول حقيقي في اليمن أمرا منطقيا.
الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي أثبت خلال الفترة الماضية التزامه ببنود الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وربما هذا يفسر نوعا ما هدوء الشباب والشارع اليمني خلال الفترة الماضية مع مراقبتهم لتحركات الرئيس التي في مجملها جاءت إيجابية. ولعل أهم قرار للرئيس هادي كان إعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية ومهنية (وهو أحد بنود الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية).
إحدى معضلات اليمن الرئيسية كانت انقسام الجيش، فالجيش اليمني على العكس من الجيش المصري أو التونسي كان أقرب لتشكيل قبلي وتابع مباشرة لقادته الذين كانوا جزءا من المشهد السياسي وصراعاته. الرئيس السابق علي صالح استغل مؤسسة الجيش لتثبيت حكمه من خلال تعيين أقربائه كقادة لقوات الجيش والأمن. على مدى الفترة الماضية قام الرئيس هادي بإصدار عدة قرارات تم بموجبها تعيين قادة جدد لعدد من القوات التي كان على رأسها أبناء أخ الرئيس (يحيى وطارق وعمار محمد عبدالله صالح) وكذلك أقرباؤه. وفي 19 ديسمبر قضى قرار إعادة هيكلة الجيش بإلغاء كل من الحرس الجمهوري الذي يقوده ابن الرئيس أحمد علي عبدالله صالح وكذلك الفرقة الأولى مدرع الشهيرة التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر (الذي كان شريكا أساسيا للرئيس سابقا قبل خلافهما وانشقاقه وتأييده لثورة الشباب اليمني في 2011). عملية هيكلة الجيش وتطهير قياداته تعد أول وأهم إنجاز نحو التحول اليمني المنشود، وقرار 19 ديسمبر هو بمثابة إنهاء لـquot;مراكز القوىquot; التي كانت تحاول تعطيل الأوضاع في اليمن أو استغلالها.
لقد كانت المؤشرات قوية على أن الرئيس السابق علي صالح الذي لم يغادر اليمن يحاول باستمرار التدخل والتأثير على المشهد السياسي هناك، وهو ما ألمح له مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لليمن جمال بن عمر في تقريره لمجلس الأمن عندما تحدث عن وجود عرقلة من عدة أطراف في اليمن، وكذلك ما تحدث عنه بصراحة أكبر الرئيس اليمني عبدربه هادي عندما قام في نهاية كلمته الافتتاحية لـquot;الندوة العلمية الأولى لإعادة تنظيم وهيكلة جهاز الشرطةquot; في 9 ديسمبر بالطلب من القنوات التلفزيونية التوقف عن التصوير ثم خاطب الرئيس السابق علي صالح بالقول quot;طفح الكيلquot; وأن quot;للصبر حدودquot; مؤكدا أنه رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، متوعدا صالح بأنه مثلما حصل على الحصانة يمكن إصدار قرار بإلغائها وأنه قادر على فتح ملفات الفساد وخاصة في الجيش واقتياده للقضاء والمحاكمات.
الصراع الذي شكل الجيش محوره الأساس بين الرئيس هادي وبين نظام علي صالح الذي كان يصارع للبقاء لم يكن سهلا، خلال النصف الثاني من 2012 فقط تم ما يقارب من 70 عملية اغتيال لمسؤولين في الجيش والشرطة والمخابرات، وتمت أغلب العمليات من خلال استخدام دراجات نارية في نسق متكرر، قد يراه البعض جزءا من عمليات تنظيم القاعدة، ويراه الآخر جزءا من محاولة نظام إبقاء الوضع متخلخلا قدر الإمكان. وبأي حال فإن تنظيم القاعدة في اليمن رغم وجوده وجدية تهديده يظل أيضا ورقة طالما استخدمها نظام علي صالح سابقا بشكل مباشر أو غير مباشر لتحقيق مكاسب سياسية.
الرئيس هادي لم يكن ليقوم بخطواته المهمة لولا وجود تأييد قوي له دوليا وخليجيا. المبعوث الأممي جمال بن عمر كرر عدة مرات تهديدات مجلس الأمن لمن يقوم بعرقلة المرحلة الانتقالية من خلال قرار المجلس 2051. واليوم ينتقل اليمن للخطوة الثانية المهمة على طريق المرحة الانتقالية والمتمثلة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، حيث تم الانتهاء من توزيع حصص المقاعد في المؤتمر على التكوينات السياسية والاجتماعية، والتوزيع الذي قام به جمال بن عمر وفريقه الفني للمقاعد يثبت سير الأمور بشكل إيجابي حيث كان التوزيع شاملا ويضمن تمثيل الجميع بشكل عادل بما فيه الشباب والمرأة والحوثيون والجنوبيون (كتب خالد الهروجي تقريرا جيدا عن الحوار الوطني في اليمن في صحيفة الحياة بتاريخ 16/ 12/ 2012 يكشف إيجابيات التشكيل النهائي لتوزيع مقاعد مؤتمر الحوار وفعالية الآليات التي وضعت له).
بيان سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية في اليمن بتاريخ 1 ديسمبر بشأن قرارات اللجنة الفنية للتحضير لمؤتمر الحوار الوطني دليل على استمرار الدعم الإقليمي والدولي المطلوب لإنجاح المؤتمر، وهو ما يعد إشارة إيجابية على أن المرحلة الانتقالية في اليمن تسير بشكل سليم رغم بعض المعوقات والعراقيل التي تظهر من حين لآخر، والمطلوب هو استمرار الضغط السياسي من الدول الراعية للمبادرة لضمان عدم عرقلة أي طرف لجهود الحوار الوطني أو الانتهاء من الدستور وبما يضمن الالتزام بالجدول الزمني للمبادرة.
يمكن من خلال هذا كله الاستشراف أن خطوات المبادرة الخليجية تسير بشكل صحيح ndash; حتى الآن ndash; وحتى تتويج المرحلة الانتقالية بالانتخابات العامة في 2014. ربما يصبح اليمن مع الوقت نموذجا على حسن الانتقال السياسي ضمن النماذج المتعددة للربيع العربي.
ولكن المرحلة الانتقالية في اليمن تظل بطبيعتها مجرد مرحلة انتقالية من حال لأخرى. وبالتالي تبرز مع الوقت أهمية مناقشة استراتيجيتنا العامة تجاه اليمن، فنهاية المرحلة الانتقالية في اليمن بنجاح سيعني بدء مرحلة أهم يجب علينا فيها صياغة سياسة استراتيجية جديدة نحو اليمن. وبنهاية المرحلة الانتقالية سينفض هذا السامر حول اليمن وستعود المملكة لتصبح وحدها في مواجهة معضلة يمنية أساسية، فالانتقال السياسي هناك لا يعني نهاية مشكلات وتحديات اليمن، ولكنه في المقابل يعني أن المقاربات القديمة للتعامل مع اليمن يجب أن يتم تجديدها وتطويرها لتتلاءم مع المرحلة المقبلة.