خالد عبد الرحيم السيد

في نهاية 2011 وقع وزير الدفاع الأمريكي السابق ليون بانيتا على وثيقة إنهاء الحرب في العراق، بعد خروج آخر دبابة أمريكية منه، ولم يكن هناك أي مؤشر على سعادة العراقيين بهذا القرار كما لم تشهد البلاد أي مظاهر للاحتفالات. فمنذ بدء الحرب على العراق في عام 2003 عندما غزت الولايات المتحدة العراق وأطاحت بنظام الراحل صدام حسين، أصبحت العراق خاضعة للسيطرة الإيرانية، وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بتسليم مفاتيح العراق لإيران على طبق من ذهب، وبمجيء المالكي لسدة الحكم اكتملت فصول الهيمنة الإيرانية على العراق.

وبعد عامين من الربيع العربي تسارعت وتيرة الأحداث السياسية وتلاحقت خطاها بشكل ملحوظ، بعد أن تحولت فيها الانتفاضات الشعبية إلى ثورات كاسحة أسقطت الأنظمة الاستبدادية. ورغم الإطاحة بكلٍ من حسني مبارك وابن علي ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح، فإن الرئيس السوري بشار الأسد لا يزال متشبثاً بالسلطة رغم استمرار الثورة، وغدا البلد عن بكرة أبيه مصابا بحالة من الشلل والدمار، وثبُت بما لا يدع مجالاً للشك أن الدعم الإيراني لسوريا هو ما يجعل النظام يقاوم انتفاضة الشعب السوري العربي.

إن اندلاع الربيع العراقي في هذا الوقت دليل على ارتباطه بالربيع السوري، لأنه إذا ما نجح الربيع السوري فسينجح الربيع السني العراقي، والسبب في هذا الارتباط هو سيطرة إيران على مقاليد الأمور في كلا البلدين ودعمها لكل من النظام الأسدي في سوريا والمالكي في العراق. فإيران تعي جيدا أن بقاء كل من النظامين يمثل بالنسبة لها حصناً منيعاً لعمقها الاستراتيجي، وأن بقاء النظامين سوف يدعم مشروع الهلال الشيعي في الشرق الأوسط واستمرارية تصدير منهج ولاية الفقيه، وعلى هذا الأساس تسعى إيران بكل ما تملك من قوة على إبقاء النظام العلوي في سوريا والنظام الشيعي في العراق.

وربما يرى البعض أن اندلاع شرارة الربيع العراقي من الفلوجة بمحافظة الأنبار، ثم انتشارها سريعاً في سامراء والرمادي وتكريت والموصل، جاءت على ضوء ما يدور من أحداث في سوريا وقرب سقوط نظام بشار الأسد الموالي لإيران، حتى يساهم في الحد من النفوذ الإيراني الذي بات واضحاً وضوح الشمس، فالهدف من الربيع العراقي هو الإطاحة بحكومة المالكي القائمة على الطائفية وتهميش السنة.

وهناك سيناريو آخر يراه البعض، وهو أن توقيت الانتفاضة قد جاء من حكومة المالكي وبدعم من إيران في محاولات للدفع باتجاه تأزم الأوضاع وإعلاء النبرة الطائفية في المنطقة كسلاح لتخفيف الضغط على حكومة بشار الأسد في سوريا وربما نشر الفوضى في لبنان في الأشهر القليلة القادمة.

أما السيناريو الأخير، فهو أن انسحاب القوات الأمريكية من العراق وتسليمها إدارة دفة الأمور لإيران لم يكن سوى إجراءً تكتيكيا من أجل إغراق إيران بالمستنقع العراقي حتى تكون بعيدة نسبيا عن دول الخليج العربية ومصادر النفط. فربما يعيد التاريخ نفسه وتكون هناك حرب عراقية إيرانية بنفس الطعم المُر ولكن هذه المرة بشكل جديد، حرب سنية شيعية تدعم فيها إيران الشيعة في العراق بهدف سيطرتها على الأراضي العراقية وفي المقابل دعما خليجيا للسنة في العراق، كما دعمت سابقا الراحل صدام حسين حامي البوابة الشرقية، كما كان يلقبه البعض.

سوف تبين لنا الأيام القادمة ما كنا نجهل، ورغم أن بوصلة المعطيات والأحداث والتطورات الحالية تتجه نحو حرب طائفية قادمة في المنطقة، وتحديدا حرب عربية فارسية تدور رحاها على أرض العراق، إلا أنه علينا كعرب سنة وشيعة ألا ننجرف وراء سياسة ولاية الفقيه وولاية المرشد، حتى نحول دون تحقيق المخطط الصهيوني العالمي لمراده ومبتغاه في تمزيق أوصال الوطن العربي.