يوسف عبدا لله مكي

أهمية قرارات القمة التنموية أنها تأتي في منعطف تاريخي عربي، أكد استحالة بقاء الحال على ما هو عليه، ونتمنى ألا تتعثر هذه القرارات بفعل السياسة، التي أثرت كثيرا على الواقع العربي

أنهى القادة العرب، الأسبوع الماضي، قمتهم التنموية الاقتصادية بالعاصمة الرياض، في دورتها الثالثة، وصدر بيان الرياض ملبيا كثيرا من الآمال التي تطلع لها العرب عقودا طويلة. فقد جددت القمة التزامها الكامل بتنفيذ القرارات المتخذة بالقمتين الاقتصاديتين السابقتين.
والقراءة المتأنية للبيان، تشير إلى أن أبرز إنجازات هذه القمة هي التصديق على مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بزيادة رؤوس أموال المؤسسات المالية العربية المشتركة، بنسبة لا تقل عن 50%، لمواجهة الحاجات التنموية المتزايدة. إن تحقيق ذلك، يسهم بشكل إيجابي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية، ويسد الفجوة التي تعاني منها بلداننا من السلع والخدمات، وتوفير فرص عمل أكثر للعمالة العربية.
ولعل اهتمام القمة بتحقيق التكامل الاقتصادي، وتنمية التجارة البينية بين العرب، هي من أهم القرارات التي تبنتها القمة, والهدف من ذلك دون شك هو العمل على خفض معدلات البطالة ومستويات الفقر. ووجه القادة العرب دعوة للقطاع العربي الخاص للمبادرة واستغلال الفرص المتاحة والمساهمة في التنمية الاقتصادية العربية الشاملة.
ناقشت القمة موضوع الطاقة، وتبنت الاستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة (2010 ـ 2030) لمواجهة الطلب المتزايد على الطاقة، وتنويع مصادرها والوفاء باحتياجات التنمية المستدامة، وفتح المجال أمام إقامة سوق عربية للطاقة المتجددة تعمل على توفير فرص عمل جديدة بمشاركة فاعلة من القطاع الخاص، ودعم المشروعات التنموية الهادفة لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة بكافة تقنياتها.
والتزاما بتحقيق الأهداف التنموية للألفية ودعم جهود الدول العربية الأقل نموا لتحقيقها، وبشكل خاص ما يتعلق منها بمكافحة الجوع ومواجهة الآثار الناجمة عن الأزمات الطارئة في مجال الأمن الغذائي؛ اعتمد القادة العرب توصيات المؤتمر العربي حول تنفيذ الأهداف التنموية للألفية حتى عام 2015، لبلورة رؤية عربية تسهم في وضع الرؤية العالمية لأهداف التنمية المستدامة الجديدة ما بعد عام 2015.
واهتمت القمة بتحسين مستوى الرعاية الصحية، والإسراع بوضع سياسات وخطط عمل بشأن المحددات الاجتماعية للصحة، والإيفاء بالتعهدات الخاصة بصحة الأم والطفل واستئصال الأمراض المعدية والتصدي للأمراض السارية.
وعلى طريق تحقيق التكامل الاقتصادي العربي، أكدت القمة على ضرورة استكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى قبل نهاية عام 2013، وبذل كافة الجهود للتغلب على الصعوبات التي تحول دون ذلك. واهتمت القمة العربية بتوفير الأمن الغذائي للمنطقة العربية، وطالبت الهيئات المعنية بسرعة تنفيذ البرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي، والتنسيق في ذلك مع الأقطار المستفيدة من البرنامج. واعتبرت القمة، الأمن المائي العربي، جزءا من الأمن القومي، وأكدت التصميم على تنفيذ quot;استراتيجية الأمن المائي في المنطقة العربيةquot; وquot;مشروع الإدارة المتكاملة للموارد المائيةquot;، لمواجهة التحديات والمتطلبات المستقبلية للموارد المائية بهدف تحقيق التنمية، وتوفير الاحتياجات الحالية والمستقبلية من الماء.
وفيما يتعلق بحماية البيئة، أوصت القمة بمتابعة تنفيذ الاستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث، والإسراع في دمجها في الخطط التنموية، وحث دول المنطقة التي لديها محطات نووية بالإفصاح عن تقارير السلامة المتبعة، ودعوتها للانضمام إلى اتفاقية الأمان النووي لتجنيب المنطقة الآثار السلبية على البيئة جراء ما قد يترتب من حوادث خطيرة. كما أكدت على الالتزام باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ وبروتوكول كيوتو التابع لها.
وأوصت القمة بمواصلة تحسين جودة التعليم والارتقاء به وتوفيره كحق من حقوق الإنسان، والمضي قدماً في دعم تنفيذ خطة تطوير التعليم في الوطن العربي بما يحقق أهدافها، والالتزام بتشجيع البحث العلمي وزيادة الموازنات الخاصة به، وتشجيع ورعاية الباحثين والمبدعين العرب في مختلف مناحي البحث العلمي والتقني، وتعزيز تقنية المعلومات والاتصالات باعتبارها أداة للتنمية الشاملة وركيزة لنظام تعليمي يستوعب الجميع.
وتناول البيان قضايا ذات علاقة بالشباب والمرأة باعتبارهما شركاء أساسيين في مشاريع التنمية العربية، وليس فقط كمستفيدين، وطالب بتيسير مختلف السبل، لتعزيز دور الشباب والمرأة في التنمية المستدامة، من خلال التعليم وتوفير المعلومات والتدريب والرعاية الصحية، ومكافحة البطالة، بخلق فرص التوظيف وإتاحة العمل اللائق، وتمكينهم من المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
هذه المنجزات هي خطوات واعدة على طريق تحقيق التكامل الاقتصادي العربي، خاصة إذا ما تزامن تطبيقها مع إنجاز بناء خطوط سكة الحديد، التي تربط الأقطار العربية مع بعضها. وهي خطوات واعدة، جاءت بعد وقت طويل من الانتظار. فقد بدأ الحلم بتأسيس وحدة عربية، وتكامل اقتصادي عربي منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر. وخلال أكثر من قرن ونصف، تحققت وحدات قومية عديدة، ونشأت أحلاف وتكتلات اقتصادية وعسكرية كبرى في العالم. وخلال الستين عاما الأخيرة، بدأ التبشير بالاتحاد الأوروبي كفكرة، تحققت بالسوق الأوروبية المشتركة، منذ بداية الستينات من القرن المنصرم، وانتهت إلى اتحاد يضم جميع الدول الأوروبية.
إن أهمية هذه القرارات، أنها تأتي في منعطف تاريخي عربي، أكد استحالة بقاء الحال على ما هو عليه، وقام بتحريك المياه الراكدة في مجتمعاتنا. ونتمنى ألا تتعثر هذه القرارات بفعل السياسة، التي أثقلت كثيرا على الواقع العربي. إن التكامل بين العرب في مختلف المجالات ينبغي ألا يتأثر بالخلافات السياسية بين القيادات العربية، فينبغي عزل السياسة عن الاقتصاد، لأن الاقتصاد هو ما ينفع الناس، في نهاية المطاف. وإلا فإننا سندور في حلقات مفرغة إلى ما لا نهاية.
إن عصرنا هذا ليس فيه مكان للخائرين والعاجزين، إنه عصر تكتلات كبرى، وفيه ينبغي أن تتحول الشعارات التي سكنت في اليقين عقودا طويلة، منذ بداية القرن العشرين، إلى واقع متحقق، يجعل حلمنا في أمة عربية مقتدرة وموحدة، أمرا ممكن التحقق، متى ما خلصت النوايا وتحول الحلم إلى وعي وإرادة وفعل.