اسماعيل الفخرانى

بعد عامين من الثورة بات لدي الكثيرين من القطاع العريض من المصريين العوام والبسطاءrlm;,rlm; حقائق ثابتةrlm;,rlm; ووقائع ملموسةrlm;,rlm; وعقيدة سياسية لاتحتمل النقاش.

أبرزها:
ــ أن مصر دولة كبيرة, وعظيمة, وواسعة, ومتجذرة التاريخ والحضارة, ومبدعة في العطاء المادي والسياسي والمعنوي, مصر نبع متدفق بكل جديد ومتجدد, في كل المعارف ومناحي الحياة. دولة بهذه الصفات وأكثر لايمكن لفصيل واحد أن يحكمها..
ــ لن يحكم مصر إلا مصريون مخلصون متجردون ليست لهم حسابات خارجية ولا داخلية إلا مصلحة مصر ومصلحة المواطن البسيط العادي الذي يمثل غالبية الشعب المصري. لهذا فإن نجوم السماء أقرب لجبهة الخراب من ان يحكموا مصر
ــ مع تسليمنا بأن انجازات كبيرة قد تحققت علي يد الثورة والحكم الحالي ومع تسليمنا بأن مصر تتعرض لمؤامرة شرسة الا ان المشهد العام يؤكد ان هيبة الدولة قد ضاعت وان منظومة الاخلاق قد انهارت بشكل لم يسبق له مثيل.. هذا الواقع الخطير لا نجد من يتحمل مسئوليته سوي نظام الحكم القائم ــ مع تقديرنا له أيا ما كان السبب, المعارضة, البلطجة, الثورة المضادة, الدولة العميقة بكل اجهزتها الخبيثة خاصة أمن الدولة الذي مازال موجودا!, لكن يبقي أننا مع منهج سيدنا عمر بن الخطاب حين قال لو عثرت بغلة في العراق لسئلت عنها, لم لم تمهد لها الطريق يا عمر؟!
ــ أن الثورة تعرضت لتحديات ومؤامرات خطيرة من الداخل والخارج, كانت ومازالت مستعرة ومشتعلة, وستبقي ولكن الي حين, ومع ذلك تبقي الحقيقة التي يجب ان لاينساها الجميع, ان عقارب الساعة لاتعود الي الوراء, والزمن لا يتراجع, وان مارد الثورة الذي خرج من القمقم لن يعود أبدا, فالثورة بدأت وقامت وستستمر مهما كانت التحديات ومهما تكن التضحيات, وسوف يواصلها المخلصون الأحرار من عوام أهل مصر وقطاعها العريض البسيط تحت شعار ثوار ـ أحرار ـ حنكمل المشوار.
ــ إرادة غالبية الشعب اختارت التيار الاسلامي, الاخوان والسلفيين في كل الاستفتاءات والانتخابات, البرلمانية ومجلس الشوري ثم الرئاسية, إرادة صادقة عبرت عن القطاع العريض من الشعب المصري العادي البسيط, الذي تنبض عروقه اسلاما وسطيا سمحا لا إخوانيا ولا سلفيا ولكنها الفطرة التي فطر الله الناس عليها, وخاصة في مصر شعب متدين بفطرته فطرة قد تكون أعمق بكثير من تدين الحزبيين والسياسيين, مع التأكيد علي ان النخبة في جبهة الانقاذ ومؤيدوها ومن هم علي شاكلتها بعيدة كل البعد عن هذا القياس لأنهم يكرهون الاسلام وأهله ومنهاجه!
هذه الارادة وهذا الاختيار لم يكن مفروضا بل كان ذكيا ومتوافقا مع طموحات وآمال الناس من التيارات الاسلامية وخاصة من هذين التيارين, الاخوان والسلفيين.
بعد عامين من الثورة ـ تبددت ـ أو أوشكت ـ هذه الآمال وساءت الأحوال بسبب الصراع المحموم والتسابق المذموم علي الحكم والذي تجاهل ونسي هذا الشعب صاحب الفضل الاول ـ بعد فضل الله ـ لم يكن للمتصارعين والمتسابقين إلا وجهة واحدة الحكم, تركوا دروس العلم وموائد العلماء تركوا مدارس التربية والتأهيل والاصلاح تركوا جلسات التحاب والتآخي والتناصح والتواد, باتت الساحة خالية عندئذ تحقق قول الشاعر والحكم ان لم تكتنفه شمائل تعليه كان مطية الانفاق مع الاعتذار لتغيير كلمة العلم بالحكم
تركوا الساحة حتي وصل الامر الي ان اثنين من كبار السن من أهل قريتي ـ رجل وامرأته ـ تكبدا المشاق الصعبة وبكل حماس جاءا الي مقر صدور بطاقتيهما في القاهرة ليدليا بصوتيهما ويؤيدا التيار الاسلامي.. الآن تراجع حماسهما, وفترت همتهما لانهما كما قالا الآن لا يشبعون من الخبز, حيث يحصل الواحد علي ثلاثة ارغفة فقط في اليوم نصفها غير صالح لاطعام البشر ويقولان لم نحصل هذا الشهر علي التموين من الزيت والسكر فماذا بعد؟!
خذ مني ما تأخذ وعض مني ما تعض فقد احتمل لكن لاتعض رغيفي!! لهذا تراجع كل حماسهما وهذا مبلغ الخطر!!
الاسلام ليس الاخوان ولا السلفية فقط الاسلام اكبر واعظم واشمل من هذا, الاسلام الحقيقي في الحب والرحمة بين افراد المجتمع في التكافل بين الناس ورعاية الغني والفقير, تقدير الكبير وتوقير العالم والمعلم, وملاطفة الصغير والمسح علي رأس الفقير واليتيم, الاسلام قيم نبيلة وحث علي الخير والامر بالمعروف ونهي عن المنكر برفق ولياقة وذوق, الاسلام احسان للجار وصلة للارحام وعيادة للمريض و......الخ هذه القيم الراقية ـ الاسلام حب وتماسك بين أهله وشركاء الوطن لا فرق بين مسلم ومسيحي.. حكي لي احد المصريين ـ الكبار ـ ان قبطيا كان في زيارة لجاره المسلم ذات ليلة وكان معه طفله الصغير والذي كان يحب اللعب مع رفيقه المسلم ظل الجاران يتسامران حتي نام الطفلان وفجأة شب حريق في احد طوابق البيت وانقطع التيار الكهربائي فسارع كل رجل لحمل إبنه والاسراع به خارج الحريق وبعد ان خرجا اكتشف كل منهما أنه يحمل ابن جاره!! هذه هي الانسانية وهذا هو الاسلام في ابسط معانية الرحمة والخلق الحسن والقلب السليم والعقيدة الصحيحة.
هذه المعاني وغيرها الكثير هي مصر وهي الاسلام وهي حقيقة الثورة وهي التي ستحكم مصر وليس بينهما إلا أن يلتقيا مصر الثورة وقيم الاسلام الوسطي السمح حنيها سيكون التغيير الحقيقي والنجاح الاكبر للثورة قد يكون ذلك علي يد الاخوان لكن لن يتحقق هذا الا إذا ذاب الاخوان في قلب كل مواطن مصري واذا رجعوا الي مبادئهم وأصولهم وأدبياتهم في التربية وحسن العشرة والانخراط في هموم المجتمع وانكار الأنا والذات وان لا تكون السياسة والحكم هما اهم اولياتهم سيتحقق ذلك حين لا نعرف انهم اخوان قد يكون الحكم والتغيير الحقيقي علي يد السلفيين اذا رفقوا بالناس وسددوا وقاربوا وعاشوا دينهم الوسطي السمح وواقعهم الملموس. قد يكون الحكم للاخوان او السلفيين ـ كما قلت ـ لكن لن يتحقق ذلك إلا إذا كان الحكم باسم الله ثم باسم مصر ولمصلحة الشعب المصري كله والذي لابد ان نشعر فيه ان الحاكم ليس اخوانيا ولا سلفيا ولاغيره. ولكنه مصري خالص اذا تحقق ذلك فبها ونعمت وإلا فإن مصر ستنفض من حول هؤلاء جميعا وتبحث عن الطريق المستقيم والحكم السديد والعادل والقوي والرشيد والذي سيستقبله الجميع إستقبال الفقيد الذي طال انتظاره حكم يجمع أدوات وآليات الحكمة, من القوة مع العدل والشدة مع العقل والفروسية مع النبل والاصالة مع المعاصرة والعلم والمثابرة والتواضع والبساطة والوسطية والسماحة والتسديد والتقريب. حكم لا يعرف لصاحبه إنتماء أو ولاء إلا الانتماء لمصلحة الوطن والمواطن, والولاء لله وشريعته ومنهاجه. إن مصر الآن تبحث عن الطريق لهذا الحكم, فإما أن يصوب أهل الحكم المعاصرون من الاخوان والسلفيين من أخطائهم ويعودوا إلي مصرهم ومصرنا ويوفروا علينا عناء البحث, وإما فلا حل سوي التغيير والطريق البديل والحكم والسديد والقوي الرشيد.