رندة تقي الدين

أطلقت شركة laquo;سبيكترومraquo; للخدمات البترولية أعمالها الزلزالية على الأرض اللبنانية خلال زيارة وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ إلى لبنان في أوائل هذا الشهر، وهي كانت أجرت أعمالاً زلزالية في المنطقة البحرية اللبنانية ووجدت أن المنطقة واعدة جداً بالنسبة للغاز، فكل ما وجدته الشركات النفطية العالمية حتى الآن في شمال شرقي المتوسط يُظهر احتمالات كبرى من النفط، إضافة الى الغاز. الاكتشاف النفطي الوحيد كان في إسرائيل، ولكن على عمق كبير من البحر وبكميات محدودة بحوالى ٦٠٠ مليون برميل. وما قالته laquo;سبيكترومraquo; عن لبنان أنه كلما اتجهوا في أعمالهم الزلزالية الى المياه اللبنانية من الشمال الى الجنوب وليس فقط الجنوب تكون احتمالات اكتشاف النفط كبيرة. فقد تأخر لبنان بالاهتمام بالموضوع لأسباب سياسية، لأن كل قرار حكومي إما معطل أو يأخذ سنوات لينفذ. ولكن احتمال وجود كميات لا بأس بها من النفط والغاز لهذا البلد الصغير غيَّر المعطيات لدى الشركات العالمية، فمنذ بضع سنوات كانت الشركات مثل laquo;توتالraquo; و laquo;شلraquo; وغيرها غير مهتمة بلبنان، لأنها كانت تعتقد أن البلد غير واعد على هذا الصعيد، في حين أنه منذ عقود كان الأستاذ الجيولوجي اللبناني زياد بيضون يقول للمسؤولين إنه ينبغي البحث عن النفط والغاز في لبنان، خصوصاً أن هنالك تقنيات حديثة للاستكشاف لدى الشركات وكان بالإمكان الاستعانة بها للذهاب في العمق للتنقيب عن النفط.

وقال لـ laquo;الحياةraquo; يوماً الراحل الكبير غسان تويني، إنه عندما كان وزيراً للطاقة قال للرئيس اللبناني آنذاك إن هناك شركات اجنبية مهتمة بالتنقيب عن النفط في لبنان وكانت تعتمد على خبرة بيضون في المجال الجيولوجي، ورد عليه قائلاً: انسَ الموضوع حالياً، لأن في طياته الكثير من المشاكل السياسية، فاعتبر تويني حينئذ انه كان ممنوعاً على لبنان ان يحاول التنقيب عن نفطه عندما كانت الشركات العالمية مهتمة بالاستكشاف عند الشقيقة سورية. وكانت خيبة أمل لبيضون، الذي كان يحظى باحترام كبير في الوسط النفطي العالمي، لخبرته الجيولوجية في الشرق الأوسط، فلبنان تأخر في العمل في هذا المجال ولكن الآن هناك فرصة حقيقية، لان الشركات مهتمة فعلياً بالاستكشاف، فـ laquo;توتالraquo; و laquo;بي بيraquo; و laquo;شلraquo; وغيرها أصبحت الآن مستعدة للمشاركة بالعروض التي ستطرحها الحكومة اللبنانية في شهر نيسان (ابريل). لكن المشكلة السياسية في لبنان عائق كبير لعدم وجود شفافية ولوجود فساد في هذا القطاع منذ زمن بعيد، فالطبقة السياسية كلها في هذا البلد تريد تقاسم ثروته في هذا المجال، والكل لديه حصة في شبكة التوزيع حالياً وستكون له مجموعاته وراء هذه العقود.

وهذه لعنة لبنان، لكن لبنان ليس وحده في العالم العربي على هذا النمط، فالعراق وسورية مثال عن الفساد في هذا القطاع. فالرشاوى والفساد في القطاع النفطي مكشوفة، والفساد في سورية عن طريق مشاركة رامي مخلوف وعائلة الأسد في كل قطاع اقتصادي من البلد خرب سورية وكان احد اسباب الثورة فيها. والآن لبنان داخل إلى نادي الدول النفطية، والخوف كما كل شيء في لبنان أن يكون ذلك ذريعة إضافية للخلاف السياسي العميق والانقسامات التي شبع منها الشعب اللبناني الذي يعاني يومياً من انقطاع كهربائي. والآن نسمع بعض التعليقات السخيفة، أن النقص في التيار الكهربائي هو بسبب المليون لاجئ سوري في لبنان. مثل هذه الأقوال المعيبة تجاه شعب يعاني من نظام يقتله غير مقبولة، فحكومة لبنان مشلولة، وهي لا تأخذ قرارات في أي مجال. هناك طلاق عنيف بين الشعب اللبناني والسياسيين فيه. سئم اللبنانيون من خلافاتهم وفسادهم والمواطنون يريدون العيش الكريم والآمن.

الا انهم يتساءلون عن مستقبل البلد وماذا يجري بعد سقوط النظام السوري ومتى يسقط وكيف يسقط. ولكن في هذا الوقت يقترب موعد المشاركة في العروض النفطية، إذ أنه في نيسان وينبغي إعطاء هذا القطاع أهمية كبرى لبلد محتاج بإلحاح إليه وإلى توفير ميزانيات استيراد الوقود التي يحتاج إليها، فلا شك في أنه إذا تأكدت احتمالات تواجد كميات النفط والغاز، فإن أركان الحكومة سيسرعون للتقدم على هذا الصعيد، لأن الكل في الطبقة السياسية طامح إلى حصة من قالب الحلوى. ولكن الثورات العربية القائمة في الشرق الأوسط ينبغي أن تكون إنذاراً لطبقة سياسية ليست بمنأى من ثورة اجتماعية من شعب لم يعد يتحمل الخلافات والفساد وغياب أدنى الاحتياجات من الطاقة الكهربائية. أن قطاع الطاقة في لبنان قد يكون مشروع حرب آخر بين الأخصام السياسيين لعمق الكراهية والانقسام على الصعيد السياسي في البلد ولهيمنة حزب مسلح تحت راية المقاومة والتبعية لإيران وله كل النفوذ على الآخرين ويسيطر على مرافق البلد الحيوية من مطار الى مرفأ. فالسؤال في هذه المرحلة حيث زار لبنان امس مسؤول اميركي من قطاع الطاقة: هل بإمكان لبنان أن ينشئ قطاع طاقة واعداً للأجيال المقبلة من دون تمزق بشأن تقاسم الحلوى؟