مشاري الذايدي

حسب صفحات التواصل الاجتماعي الليبية، فإن سيف الإسلام القذافي، نجل laquo;العقيد الأخضرraquo; معمر، الذي يحاكم من قبل الثوار في منطقة الزنتان بليبيا، قد أصابه الجنون. ويؤكد الأطباء، حسب هذه الصفحات، بأن ثمة مرضا داخليا يصيب الدماغ نتيجة القلق المتواصل والتفكير المتعدد في الوقت نفسه ويفرز الدماغ هرمونا معينا مع استمراره يؤدي إلى موت خلايا داخلية في الرأس.

وحسب الموقع الإخباري laquo;دنيا الوطنraquo; فإن طبيبا ليبيا رفض الكشف عن اسمه أوضح أن سيف الإسلام لن يرجع لما كان عليه لموت خلايا الدماغ من القلق والتفكير فلا علاج لهذا المرض.

الحق أني لست مستغربا من laquo;هيسترياraquo; سيف الإسلام، وأميل إلى أنه لا يمثل هذه الحالة، بل هو فعلا واقع فيها، أو في مقدماتها.

ليس الغريب أن يجنّ سيف الإسلام، بل أن لا يجنّ مثله، بعدما laquo;استوعبraquo; أخيرا حقيقة ما جرى، حقيقة المصير الذي ذهب إليه، هو وعائلته، وسلطتها. بسبب سوء التصرف وإدارة الأمور، حتى ولو كانت ثمة laquo;مؤامرةraquo; دولية ضد حكم والده، لكن كان في الإمكان أحسن مما كان، وكان هو شخصيا، لو ملك الرأي والرشد، قبل شجاعة الشجعان.. ولكن هكذا صار، وتلك رياح المقادير.

تستغرب حقيقة من laquo;تبلّدraquo; بعض الناس من أهل السلطة، أمام تحديات جسام، ومزالق خطرة، ليس عن صلابة عزيمة، ورباطة جأش، فهذا صمود يحمد لصاحبه إن كان له ما يشفع من وضوح رؤية، وسلامة تفكير، لكنه صمود فارغ من المعنى. صمود مجرد من عمق الرؤية وسلامة التفكير، هو صمود أقرب إلى حالة الجمل وبقية الدواب حين laquo;تحرنraquo; عن الحركة، هكذا دون سابق إنذار.

نحن في ثقافتنا، نمدح الصمود بشكل مجرد، والحق أن الصمود، صفة جديرة بالمدح، لا ريب في هذا، بالمقارنة مع صفات الإنسان المتقلب، الذي بلا رأي أو فكرة يؤمن بها في الحياة، تسيره مصالحه بالمعنى الضيق والمباشر والمادي لمفهوم المصلحة. لكن هذا الصمود يصبح وبالا وكارثة على صاحبه، ومن يتصل به، إذا كان صمودا في الوقوف أمام القطارات المسرعة، هنا نحن أمام حماقة تراجيدية بامتياز.

لعل من أسباب وصول العراق إلى ما وصل إليه هو الصمود، المجرد، لصدام حسين، نعم هو شجاع وصلب العزيمة، ويكفي مشهد الإعدام له للدلالة على ذلك، لكن ما جدوى هذا الصمود، وسياسات صدام هي التي أدت إلى تخريب العراق، وتهيئة المناخ لغزوه وتجريف حياته، وعزله عن العالم ومحيطه العربي الذي كان معه، وlaquo;طيفنةraquo; العراق سياسيا، بشكل أقبح من laquo;الطيفنةraquo; اللبنانية!؟

المتنبي قالها قديما:

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو أول وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس حرة

بلغت من العلياء كل مكان

ولربما طعن الفتى أقرانه

بالرأي قبل تطاعن الأقران

لولا العقول لكان أدنى ضيغم

أدنى إلى شرفٍ من الإنسان