عبدالوهاب بدرخان
وافق النظام السوري على المشاركة في المؤتمر الدولي المزمع عقده في جنيف خلال حزيران (يونيو). هي موافقة laquo;من حيث المبدأraquo;. ماذا يعني ذلك؟ أولاً، أنه يناور. ثانياً، أن لديه شكوكاً حول إمكان عقد هذا المؤتمر. ثالثاً، أن لديه شروطاً لا بدّ من أن تكون مستوحاة من laquo;الخطةraquo; التي سبق لبشار الاسد أن عرضها في خطاب دار الاوبرا. رابعاً، سيسعى مع روسيا وإيران الى تعديل laquo;صيغة جنيفraquo; بعدما أقدم على تعطيلها فور صدورها فأطاح المبعوث السابق كوفي انان، بل أفشل تنشيطها طوال عام كامل وكاد يطيح المبعوث الثاني الاخضر الابراهيمي، ذاك أن عمل المبعوث laquo;الدولي - العربيraquo; يبدأ فور تفعيل laquo;بيان جنيفraquo;. خامساً، إذا اخفق تعديل الصيغة، سيكون الهدف البديل منع استصدارها بقرار من مجلس الأمن الدولي والإصرار - عبر روسيا - على إبقائها عائمة ووضعها بتصرّف الطرفين، النظام والمعارضة.
واقعياً، وفي ضوء قراءته لـ laquo;الاتفاق الاميركي - الروسيraquo; ومحاولته استكناه ما ليس معلناً منه، لا يريد النظام هذا laquo;الحل السياسيraquo;. ما يساعده في ترويج شروطه أن الطرف الآخر، أي المعارضة، يمرّ بأسوأ أيامه، سواء في اجتماعات laquo;الائتلافraquo; في اسطنبول، اذ طفت خلافات أجنحته على السطح في شأن مصير laquo;الحكومة الموقتةraquo; ورئيسها غسان هيتو، أو في شأن توسيع صفوفه لضمّ كتلة laquo;القطب الديموقراطيraquo; وممثلين عن laquo;الجيش الحرّraquo;. كانت الدول الداعمة هي التي أشرفت على ولادة laquo;الائتلافraquo; كوريث لـ laquo;المجلس الوطنيraquo;، وهي التي تشرف على توسيع تمثيله ليصبح أكثر قبولاً وجاهزية للمشاركة في laquo;جنيف 2raquo;. وعلى رغم أن أصواتاً في laquo;الائتلافraquo; حاولت ربط هذين الخلافين بصراع سعودي - قطري أو حتى سعودي - تركي، إلا أن هذه الدول لا تبدو عملياً في حال صراعية وإنما تنسيقية، لكن الأكيد أن استحقاق الحل السياسي وما بعد انطلاقه/ أو فشل انطلاقه المحتملين فرض تعديلاً على تموضع الاطراف الاقليمية وأدوارها المنسّقة مع الاطراف الدولية، وبالأخص مع الولايات المتحدة. وقد دفع هذا الوضع الجديد laquo;الإخوان المسلمينraquo; السوريين الى التكيّف مع المتغيّرات بعدما لمسوا تكاثر الجهات التي تحمّلهم مسؤولية البلبلة في أداء laquo;الائتلافraquo;.
لماذا لا يبدو النظام مرتاحاً للحراك الدولي على الطريق الى laquo;جنيف 2raquo;؟ أولاً، لأنه فوجئ باتفاق واشنطن وموسكو توقيتاً ودلالاتٍ. ثانياً، لأنه يلمس نوعاً من اللامبالاة الدولية لـ laquo;انجازاتraquo; عسكرية يحاول تحقيقها وتوجيه الأنظار اليها. والأهمّ، ثالثاً، لأن البحث في laquo;مصير الأسدraquo; عاد الى التداول على أكثر من صعيد. رابعاً، لأن البحث دخل laquo;المرحلة الانتقاليةraquo; وتفاصيلها، فإن ثمة معنىً واحداً لذلك وهو laquo;الانتقالraquo; من حكم الأسد الى ما بعده. خامساً، لأن النظام يردد أمام أعوانه أنه لم يلعب كل أوراقه بعد، فهو لا يرى الأزمة إلا في بُعدها الميداني. فبعد القصير واستكمال حزام الأرض المحروقة حول دمشق، سيستعيد زمام المبادرة ليستدير الى درعا، أو الى حمص وإدلب وربما شمال لبنان... وبالنسبة الى النظام، لا يعني الحل السياسي سوى واحد من هذه السيناريوات:
1 ndash; إذا كانت القوى الدولية تريد الحفاظ على الدولة - الجيش والمؤسسات، فليس لديها سوى خيار الاعتماد على النظام. وفي هذه الحال عليها أن توجّه ضغوطها نحو المعارضة، وعندئذ فحسب يمكن أن يكون الحل قريباً وسريعاً، لأنه سيعرض تنازلات بهدف laquo;إبداء حسن النيّةraquo; والانفتاح على المعارضة والاتفاق على اعادة هيكلة القوى العسكرية والأمنية.
2 ndash; تأسيساً على الشروط نفسها (الحفاظ على الدولة - الجيش والمؤسسات)، اذا كان الاميركيون والروس يأملون في laquo;تعاون الأسدraquo;، فإنه سيحتاج الى laquo;صلاحياتهraquo; ولا مجال لمطالبته بـ laquo;نقلهاraquo;، بل لا بدّ من إرضائه بفرض صيغة حل يستطيع بموجبها الاحتفاظ بنصف النظام المقبل، وإلا فإنه لن يتعاون وسيواصل الحرب، معتبراً أن الاميركيين وحلفاءهم تأخروا في تسليح المعارضة وفقدوا فرصة تنفيذ مثل هذا التهديد الذي لوّح به جون كيري بعد اجتماع عمان للجنة الدولية الخاصة بسورية.
3 ndash; اذا لم ينبثق من laquo;جنيف 2raquo; حل مبني على أساس laquo;شرعية النظامraquo; بصفته laquo;الدولةraquo;، وإذا كان هناك اصرار على laquo;التفاوضraquo; وليس laquo;الحوارraquo;، فإن النظام سيعمد الى المماطلة بالتصعيد العسكري لجعل هذا التفاوض متاهة بلا مخارج وبرهنة أن الحل غير ممكن، استدراجاً لتفاوض مختلف يطرح فيه مع القوى الدولية الاتفاق على ترتيبات تقسيم سورية، لأن تعايش مكوّنات المجتمع بات متعذراً إنْ لم يكن مستحيلاً.
لعل الحلقة الضعيفة في تقدير النظام لموقفه تكمن في أنه، وهو يعتبر نفسه laquo;الدولةraquo;، يتجاهل أنه لم يتصرف كدولة طوال السبعة والعشرين شهراً الماضية، فأي نظام - دولة لا يرتكب دماراً كهذا ولا يحمل على كاهله ما يفوق مئة ألف قتيل. ثم إنه راسخ الاقتناع بأن معادلة القوة هي التي ستنتصر في نهاية المطاف، على رغم أنه اضطر للاعتماد في شكل رئيس على laquo;حزب اللهraquo; اللبناني - الايراني وكبّده مئات القتلى للسيطرة على القصير تحديداً قبيل لقاء كيري ndash; لافروف في باريس للتداول في شروط موافقته laquo;من حيث المبدأraquo; على المشاركة في laquo;جنيف 2raquo;. والكل يعلم أن معركة القصير لا تهدف الى استعادة النظام سيطرته على سورية وإنما الى تعزيز ذرائع التقسيم.
اذا استطاع laquo;الائتلافraquo; المعارض تنظيم نفسه قبيل المؤتمر الدولي، فإن السؤال عن موقفه من laquo;الحل السياسيraquo; لم يعد لغزاً، اذ ليس لديه سوى خيار المشاركة... لكنّ لديه تحليلاً مفاده أن ذهاب النظام الى جنيف سيكون خطوته الأولى نحو الخسارة، لأن laquo;جنيفraquo; عملية سياسية لا بدّ من أن تبدأ بوقف اطلاق النار، وإلا فإن الخروقات والانتهاكات ستقوّضها وتقضي عليها. ومنذ البداية، يعتبر أي وقف للنار خسارة للنظام، لكن لديه أساليب كثيرة للتحايل عليه حتى مع وجود رقابة دولية. ستشارك المعارضة، اذاً، لكنها تتحسّب مسبقاً لاحتمالات تعريضها لضغوط لإرغامها على قبول تسويات قد لا تحقق مصلحة الثورة، وتخشى أيضاً أن تهتزّ صدقيتها في الداخل اذا لم تُحترم شروطها المبدئية للمشاركة، وأهمها: عدم وجود الأسد ورموز نظامه أو مشاركة laquo;الحلقة الضيقةraquo; في العملية الانتقالية، وأن تكون الحكومة الانتقالية ذات صلاحيات كاملة، وأن يكون وفد النظام مفوضاً تفويضاً كاملاً، وأن يكون laquo;الائتلافraquo; الطرف الذي يوافق على المشاركين في وفد النظام للتأكد من عدم وجود أشخاص ملطخة أيديهم بالدماء، وأخيراً وضع مذكرة تقنية تحدد آلية التفاوض وأفقه الزمني ومراحل تطبيقه.
من الواضح أن النظام والمعارضة يبحثان عن laquo;ضماناتraquo; لما يرضي طموحاتهما قبل الدخول الى التفاوض. وفي طبيعة الحال، فإن الضمانات مطلوبة من الدولتين الكبريين، لكن نوعيتها وسرّيتها قد تؤثران سلباً في امكان إصدار بنود الحل بقرار دولي واضح وملزم، ليُستعاض عنه بضمان اميركي - روسي، وهذه هي الصيغة التي يفضّلها النظام. هنا يفترض أن تكون الولايات المتحدة تعلّمت شيئاً من تجربة العامين الماضيين، وهو أن معارضي الداخل لن يرضوا بأي حل ناقص أو غامض. لذلك، فإن التهافت على أي حل، فقط بدافع مواجهة المتطرفين laquo;القاعديينraquo;، سيقول السوريون حتماً إنهم غبر معنيين به.
التعليقات