محمد م. الأرناؤوط


منذ اندلاع المعارضة السلمية أولاً ثم المسلحة في سوريا ضد النظام الشمولي في 2011 اكتفت بعض قوى المعارضة السورية (وبخاصة المجلس الوطني) بالمطالبة بالتدخل العسكري من الخارج على نمط ما حدث في البوسنة في 1995 وفي كوسوفا 1999، وهو ما لم يحدث بطبيعة الحال حتى الآن ولن يحدث كما حدث هناك أخذاً بالاعتبار الظروف المختلفة بين حالة سوريا من ناحية وحالتي البوسنة وكوسوفا من ناحية أخرى.
ومع ازدياد التساؤلات بشأن اكتفاء المجتمع الدولي بالتفرج على ما يحدث في سوريا بعد سقوط حوالى سبعين ألف قتيل، نشرت جريدة quot;زيدوتشه زايتونغquot; الألمانية قبل أيام مقالة لنيقولا رهتر (عدد 10/5/2013) أجرى فيها مقاربة لما يحدث في سوريا مع ما حدث سابقاً في البوسنة وكوسوفا خلال 1995 و1999، حيث تدخل حلف الأطلسي بدون تفويض من مجلس الأمن لاجل إنقاذ المسلمين هناك من القتل الجماعي. ولكن مثل هذا quot;التدخل الغربيquot; لصالح quot;مسلمينquot; في أوروبا لا يبدو بهذه البساطة بالنسبة الى سوريا في الوقت الحاضر أخذاً بالاعتبار ما تغيّر ويتغيّر في الأوضاع الإقليمية والدولية.

ففي مقالته يذكّر رهتر أن التدخل الغربي في البوسنة قد تأخر حوالى ثلاث سنوات، ومع أن عدد الضحايا وصل الى مئة ألف معظمهم من المسلمين إلا أن الأمر احتاج الى حدوث مجزرة كبيرة في سربنيتسا ذهب ضحيتها حوالى ثمانية آلاف مسلم في آب 1995 الى أن يحدث التدخل العسكري لحلف الأطلسي. ولكن المطالبين بالتدخل في سوريا على نمط البوسنة لا يعرفون أن هذا التدخل جاء لأجل فض الاشتباك بين طرفين متصارعين يعتقد كل واحد منهما أنه يملك الحق، وأن هذا التدخل أدى الى جمع الطرفين المتنازعين في مكان ثالث (قاعدة دايتون الأميركية) لأجل التوصل الى اتفاق سلام في تشرين الأول 1995 قسّم البوسنة بينهما (49% للصرب و51% للبشناق والكروات المتحالفين) في خطوط متداخلة أشبه بلوحة سوريالية أبقت على البوسنة دولة واحدة من حيث الشكل الخارجي. وبعبارة أخرى لم يهدف التدخل العسكري الى نصرة طرف للتخلص من الطرف الآخر، مع أن هذا كان وارداً بعد المساعدات الكبيرة التي تلقاها الرئيس علي عزت بيغوفيتش في صيف 1995، بل إن التدخل الديبلوماسي اللاحق (إنذار السفير الأميركي لعزت بيغوفيتش يوم 12/10/1995) كان لحماية الكيان الصربي من السقوط بعد أن وصلت قوات عزت بيغوفيتش الى ضواحي بانيا لوكا عاصمة الكيان الصربي.
وفي ما يتعلق بكوسوفا فقد انتظر الغرب أكثر من ذلك بكثير، حيث إن المظاهرات السلمية الحاشدة للغالبية الألبانية بدأت منذ ربيع 1989 ضد الحكم الصربي الجائر لسلوبودان ميلوشيفيتش ولم يعترف أحد في الغرب بالاستقلال الذي أعلنه الألبان من طرف واحد في 1991 لأن يوغسلافيا بقيت تعتبر ضرورة للاستقرار في المنطقة. ولكن عندما تحولت المعارضة السلمية التي قادها ابراهيم روغوفا الى معارضة مسلحة في 1997 حظي quot;جيش تحرير كوسوفاquot; بدعم غربي بعد أن رؤي أن يوغسلافيا الفدرالية استنفدت مقومات وجودها كدولة واحدة ضمن إعادة ترتيب أوروبا الجنوبية الشرقية. ولكن في حالة كوسوفا لم يكن الأمر يحتاج الى مجزرة كبيرة من نوع سربرنيتسا بل كان يكفي حدوث مجزرة صغيرة في راتشاك خلال كانون الثاني 1999 (حوالى خمسين قتيلاً) حتى تتسارع خطى التدخل العسكري حتى آذار 1999 وتؤدي الى فصل كوسوفا عن يوغسلافيا الفدرالية، التي انشطرت بدورها في 2006 ما بين صربيا والجبل الأسود.
ومن هنا يبرز السؤال عن مدى التشابه بين سوريا والبوسنة وكوسوفا وعن عدد القتلى أو حجم المجزرة التي يجب أن تحصل حتى ينطلق التدخل العسكري من الخارج. ولكن في حالة سوريا لا يقتصر الأمر على موقف الغرب بقدر ما هو الأهم موقف إسرائيل المعنية أكثر من غيرها بما يحدث في سوريا. فخلال زيارة الرئيس الصربي تويسلاف نيكوليتش الى إسرائيل في نهاية نيسان الماضي قال الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز له إنه تعلم من انهيار يوغسلافيا درساً مهماً ألا وهو أنه quot;لا يمكن لكيان مصطنع أن يجمع شعوباً مختلفة اثنياً ودينياً، وهو ما أكده الكاتب اليهودي الأميركي المعروف توماس فريدمان في مقالته عن سوريا التي نشرها بعد عشرة أيام (10/5/2013) حيث يصفها بأنها quot;كيان مصطنعquot;.

وبالعودة الى مقالة/ مقاربة رهتر عن سوريا والبوسنة وكوسوفا تجدر الإشارة الى أن الكاتب انتهى الى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يريد لبلاده أن تتدخل في سوريا كما تدخلت في البوسنة 1995 وكوسوفا 1999 بسبب الثمن الباهظ للتدخل الأميركي في العراق 2003 الذي كلّف الولايات المتحدة كثيراً ولم يؤدِ الى استقرار وضعه بعد ولا مستقبله كدولة قابلة للاستمرار مع الكيانات الثلاثة الموجودة فيه.
ولذلك فإن السؤال هنا عن التأخر في التدخل العسكري في سوريا لا يرتبط بوصول عدد الضحايا الى رقم معيّن بل في البديل الذي لم ينضج تصوره بعد، والذي قد يستفيد مما حدث في البوسنة 1995 وكوسوفا 1999 والعراق 2003 من دون أن يكرر الأخطاء التي تراكمت في تلك النماذج وما أكثرها!