محمد الأشهب

حل وفاقي للأزمة الحكومية في المغرب أفضل من العودة إلى نقطة الصفر وتنظيم انتخابات مبكرة. فلا الفرقاء السياسيون مستعدون لمعاودة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، ولا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة تسمح بخوض هكذا منافسات. بخاصة أن الاستحقاقات الانتخابية المحلية التي فات أوانها أصبحت في وارد الإرجاء. وأقربها أن الأزمة الحكومية لا تسعف في إقرار القوانين التنظيمية الملائمة للوضع الدستوري الجديد.

ما بين تمنيات التحكيم الملكي في أزمة ذات طابع حزبي والبدء في حوار بين طرفي الأزمة، الاستقلال والعدالة والتنمية الشريكين في الائتلاف الحكومي، يرشح الخيار الثاني، من منطلق أن الأزمة ليست دستورية، وإنما نتاج خلافات سياسية حول أساليب التدبير ومنهجية العمل وأسبقيات المرحلة. وإلى الآن اكتفى الاستقلال بتسجيل انسحابه من الحكومة كموقف حزبي، من دون أن يقرنه بالعودة إلى صفوف المعارضة. وظل يمارس دوره في الحكومة والبرلمان كحليف يدعم الغالبية. فيما رئيس الحكومة عبدالاله بن كيران يحتاج في ذروة الأزمة الاقتصادية إلى وعاء سياسي كبير يكفل مساندته في اتخاذ إجراءات إصلاحية يصفها أنها laquo;مؤلمةraquo;، وليس أقسى ألماً من أن يجد نفسه في مواجهة المعارضة وحلفاء الأمس ورجال الأعمال والمركزيات النقابية في لحظة كهذه.

لكن الفجوة التي أحدثتها الخلافات الحزبية، على رغم اتساعها، لم تصل إلى القطيعة بعد. والخيط الرفيع الذي يمكن الإمساك بطرفه قد يتحول، في حال تفويت الفرصة، إلى حبل مشنقة تلف عنق حكومة لم تكمل عامها الثاني.

بمنطق سياسي، يرى laquo;العدالة والتنميةraquo; الإسلامي أن إفادته من تداعيات الربيع العربي أهلته لقيادة الحكومة. وأنه مع الاستقلال أو من دونه كان في وسعه أن يختار شركاءه في الائتلاف الذي يلتقي عند الحد الأدنى من الإصلاحات المطلوبة. وفي إمكانه أن يمضي قدماً في تنفيذ الإصلاحات laquo;المؤلمةraquo; التي تفرض نفسها، إلى درجة أن زعيمه عبدالاله بن كيران وصف صندوق النقد الدولي أنه شريك أساسي لبلاده في تحقيق جيل جديد من الإصلاحات التقويمية. ولعله حين يلوح بهذه الورقة، على رغم تداعياتها المحتملة، يريد القول إنه وحده يستطيع المغامرة بنفوذه الحزبي والسياسي لتحقيق هذه الأهداف.

لكن غريمه الاستقلال يرى أن منهجية هذه الإصلاحات تشكل مفترق طرق، بين أن تتوخى إجراءات ملموسة للنهوض بالاقتصاد وتشجيع الاستثمارات والالتفات إلى الملفات الاجتماعية، وبين أن تنقاد وراء الوصفات الجاهزة للمؤسسات النقدية الدولية. فهو كذلك يلوح بهاجس الاستقرار. غير أن الفارق بين أن يشمل الاستقرار توازنات الائتلاف الحكومي وبين الانصراف لمواجهة المخاطر المحتملة جراء الإقدام على إصلاحات laquo;غير شعبيةraquo; يكمن في اتفاق الشركاء على صيغة وفاقية، تأخذ في الاعتبار مجمل التصورات الموضوعة على الطاولة.

لم تعد الأزمة الحكومية تطاول تقويم التجربة التي انقضت. فقد توزعت على ضفافها اتهامات بالاستئثار والهيمنة وجلب نماذج من خارج البلاد، في إشارة إلى مصر وتونس. بل أصبحت تهيمن على ما هو قادم من إجراءات. وفي هذه المسألة تحديداً لا يمكن للشركاء في الائتلاف الحكومي إلا الاتكاء على بعضهم. وكلما ابتعدت حظوظ الاستحقاقات الانتخابية، تزيد فرص التماسك، وإن على مضض، طالما تنتفي الخيارات البديلة مرحلياً.

لم تقفل المعارضة الباب أمام احتمالات انضمام أطراف منها إلى الحكومة لتعويض الاستقلال في حال انسحابه عملياً إلا لكونها تتصور أن معطيات الأزمة تقيد حركات أي حكومة، وبالتالي فإن انتظار الإجراءات التي ستقدم عليها سيكون محكاً لاختبار قدراتها على الصمود، إن تمكنت من تجاوز عثرات الأزمة الراهنة. ومن أجل أن يدحض عبدالاله بن كيران كل الأقاويل المتداولة حول أزمة التدبير سيكون عليه أن يرضخ لبعض مطالب غريمه الاستقلال، والأكيد أن المعارضة لو كان وارداً في استقراءاتها أن عمر الحكومة الحالية سيطول أكثر لما أغلقت النوافذ والأبواب، إلا أن تكون متفائلة، لا تستبعد ظهور أزمات جديدة داخل البيت الحكومي.

بالقدر ذاته لا يبدو رئيس الحكومة لاهياً عن هكذا استقراءات، فهو يدرك أن انسحاب الاستقلال سيحتم استقالة حكومته أو إطاحتها عبر طلب سحب الثقة، وبالتالي الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة. إلا أن فرضيات غير مستبعدة تشير إلى احتمال حيازة حزبه وضعاً متقدماً، لكن ليس هناك ما يرجح فرضية اختياره مجدداً لرئاسة الحكومة. وإذ يعرض حميد شباط إلى كون الخلافات قائمة مع بن كيران وليس الحزب الذي يتزعمه، فإنه يشير بطريقة غير مباشرة إلى سيناريوات محتملة. ولهذا السبب اختار زعيم laquo;العدالة والتنميةraquo; أن يحاور حزبه في تداعيات الأزمة، وليس طرحها على الصعيد الحكومي أو في جلسات البرلمان.

كل الأطراف المتصارعة تريد الأزمة على قياس ما يخامرها من تمنيات وأهداف. وأبعدها أن يصار إلى المربع الأول، حيث لا شيء مستبعد ولا شيء ثابت