القاهرة - محيي الدين سعيد
تسابق جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها الزمن للوصول إلى مخرج من المأزق الذي ينتظرها يوم 30 من يونيو/ حزيران الجاري، حيث الموعد المحدد للتظاهرات والفعاليات الاحتجاجية التي دعت إليها أحزاب وقوى المعارضة، للمطالبة بإسقاط الرئيس محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة . وإحدى الوسائل التي رأى أنصار الجماعة أنها يمكن أن تمثل سبيلاً للخروج من الأزمة هي طرح مبادرات للمصالحة الوطنية الشاملة، وهي مبادرات قوبلت برفض تام من قبل قوى المعارضة، ليس لسبب سوى أن القوى صاحبة هذه المبادرات وبحسب المعارضة لم تعد تحظى بأي مصداقية تؤهلها لأن تقود جهود الوساطة في هذه الأزمة الكبيرة التي تشهدها البلاد، فضلاً عن أن قوى المعارضة ترى في هذه المبادرات محاولة لإنقاذ ldquo;الإخوانrdquo; من موجة الغضب القادمة التي تذهب توقعات العديد من قوى المعارضة إلى أنها ستقتلع حكم الإخوان وتضع نهاية سريعة له .
أصحاب دعوات المصالحة يطرحون تحذيرات من دخول البلاد في نفق العنف المظلم وتسليمها إلى دوامة لا تنتهي من الصدامات والاشتباكات الدموية، يسقط خلالها آلاف الضحايا من الجانبين، كما يحذرون من استغلال أطراف إقليمية وخارجية مثل هذا الموقف للتدخل في الشؤون المصرية، لكن قوى المعارضة المصرية ترى في المقابل أن أي دعوات للمصالحة سواء من قبل جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها أو حتى من قبل مؤسسة الرئاسة لن تكون ذات جدوى من دون الإقدام على خطوات وإجراءات على طريق الاستجابة لمطالب المعارضة، وعلى رأس ذلك إقالة الحكومة الحالية برئاسة الدكتور هشام قنديل، وتشكيل حكومة ائتلاف وطني وحل مجلس الشورى ووضع قانون جديد للانتخابات وتشكيل لجنة لوضع دستور جديد للبلاد، فضلاً عن إقالة النائب العام الحالي، وإسناد مهمة تعيين نائب عام جديد للمجلس الأعلى للقضاء، ويذهب بعض منها إلى مطالبة مرسي بطرح الموقف من استمراره في موقعه الرئاسي لاستفتاء شعبي .
بعض آخر من قوى المعارضة تجاوز فكرة الاشتباك مع محاولات الجماعة وأنصارها للخروج من المأزق، وباتوا يطرحون سيناريوهات لما بعد تظاهرات 30 يونيو وإسقاط حكم الإخوان، وأولها التبكير بإجراء انتخابات رئاسية وتفويض المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد لحين إجراء هذه الانتخابات .
بين المبادرات والسيناريوهات يجمع الكثير من المراقبين على أن أهل الحكم في مصر ldquo;الرئيس وجماعة الإخوان المسلمينrdquo; أضاعوا فرصة ذهبية لبناء توافق عام حول أي من الأهداف التي تنادي إليها ثوار يناير، وعلى رأسها تحقيق العدالة الاجتماعية وتأسيس دولة سيادة القانون القائمة على أسس ديمقراطية تحترم فيها الحقوق والحريات العامة للمواطنين، وتنهي عقوداً من الظلم والاستبداد عاشها الشعب المصري في ظل الحكم السابق وقامت ثورته للقضاء عليها، كما يجمع هؤلاء على أن كل المقدمات قبل 30 يونيو تقود إلى نتائج سيكون لها ما بعدها في المشهد المصري، وسواء نجحت الدعوة إلى إسقاط مرسي ونظامه أو فشلت، فإن التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لذلك ستكون كبيرة، وسيدفع ثمنها المواطنون المصريون، كما دفعوا وحدهم ثمن ارتباك المشهد السياسي طوال الفترة التالية لنجاح ثورة يناير في إطاحة النظام السابق، ليبقي تعويل الكثيرين على أن تقدم جماعة الحكم على تنازلات لحقن دماء المصريين والخروج بهم من دائرة الاستقطاب والصراع السياسي والثقافي الحادة، وذلك بالاستجابة لمطالب بات واضحاً أنها ليست ملكاً لقوى المعارضة وحدها، لكنها مطالب لأغلبية الشعب المصري التي عانت أزمات معيشية طاحنة على مدى الفترة الماضية . ولعل دلالة توقيع الملايين من بسطاء المصريين على استمارات حركة ldquo;تمردrdquo; الداعية لإسقاط الرئيس الحالي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة تكفي في هذا الشأن، وهي دلالة في رأي مراقبين كان يجب أن تكون دافعاً للرئيس وجماعته لمراجعة حساباتهما، حتى لو كان المقابل لها توقيع ملايين أخرى على استمارات مؤيدة للرئيس .
في السيناريوهات لما بعد 30 يونيو تعددت الاجتهادات وتباينت بين فريق يذهب إلى نجاح الاحتجاجات الغاضبة في الإطاحة بالرئيس مرسي وإجباره على الاستقالة من منصبه وإسناد إدارة شؤون البلاد لرئيس المحكمة الدستورية العليا أو مجلس رئاسي مدني يضم ممثلاً للقوات المسلحة لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة واختيار رئيس جديد للبلاد، وفريق يرى أنها ستكون بداية لتكريس ldquo;التمكينrdquo; لجماعات الإسلام السياسي في حكم البلاد بنجاحها في إفشال التظاهرات الغاضبة والتصدي لها، فيما يرى فريق ثالث أن الأمور يمكن أن تنتهي إلى حوار وطني موسع على أجندة واضحة، وبضمان من مؤسسات وطنية كالقوات المسلحة لفرض تنفيذ ما يتم التوصل إليه في جلسات الحوار .
لا تتوقف السيناريوهات المتوقعة عند هذا الحد، فمقدمات الشحن المتبادل من طرفي المشهد لا يمكن إغفال أنها قد تقود إلى الدخول بالبلاد إلى أتون اقتتال أهلي لا يعلم أحد إلى أين وكيف سينتهي، وهنا يرى البعض أن واحدة من نهايات هذا السيناريو قد تكون في تدخل القوات المسلحة والإمساك بزمام الأمور في البلاد لفترة لا يستطيع أحد في هذه الحالة تحديدها، كما كان الحال بعد ثورة يناير، وهي نهاية أو بداية يرى مراقبون أنها الأقرب لمزاج ملايين المصريين الذين عانوا ممارسات جماعات الحكم والمعارضة على مدار العامين الماضيين على حد سواء، ويحظى الجيش المصري بمكانة خاصة في قلوبهم .
عديد من القوى والحركات السياسية حددت خطوات ما بعد 30 يونيو ووضعت على رأسها في حال الإطاحة بالنظام الحالي الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وإعادة محاكمة كل المدنيين المحاكمين عسكرياً أمام قاضيهم الطبيعي، وحل مجلس الشورى وأن تتولى لجنة من فقهاء القانون مراجعة جميع القوانين الصادرة منذ 11 فبراير/ شباط 2011 حتى الآن، وتنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بإعادة جميع الشركات المنهوبة إلى الدولة، والسعي الجاد لإعادة الأموال المنهوبة والمهربة في الخارج والداخل، وتطهير وإعادة هيكلة وزارة الداخلية، والعمل على استعادة الأمن بشكل عاجل، وتشريع قانون للعدالة الانتقالية من أجل محاكمات ثورية لكل من شارك في قتل المصريين وإفساد الحياة السياسية ونهب موارد الدولة، والبدء الفوري في إجراء الإصلاحات الاقتصادية، والتعامل الفوري والحازم مع ملفات الأمن القومي بما يحقق مصالح مصر العليا، مع تحديد الفترة الانتقالية بألا تتجاوز بأي حال 6 أشهر .
أما نجاح المعارضة بشكل كامل في تحقيق أهدافها بإطاحة مرسي فسيكون على الجماعة إما تقديم ثمن غال للحيلولة دون الوصول إليه والدخول في اشتباكات دموية قد تقود كما سبق القول إلى عودة الجيش لحكم البلاد، أو أن تقبل بهزيمتها، وهو أمر ترفضه الجماعة تماماً وتروج بين أنصارها أن ثمنه سيكون الزج بهم في السجون وإنهاء الحلم الذي تعيش له منذ نشأتها قبل أكثر من ثمانين عاماً بالوصول إلى حكم مصر، وفيما تعول قوى المعارضة على حدوث احتجاجات واسعة في المحافظات التي يعاني مواطنوها جراء ارتفاع الأسعار وغياب الخدمات الأساسية وعدم توافر السولار والبنزين، فإن نشطاء الجماعة وقواعدها التنظيمية يقومون بالانتشار في أوساط المواطنين في هذه المحافظات، وتحذيرهم من ldquo;الفتنةrdquo; والترويج لأن ldquo;هذه الفتنةrdquo; يقودها فلول نظام الرئيس السابق مبارك وأعداء المشروع الإسلامي، ومحاولة إقناع المواطنين يعدم المشاركة في التظاهرات بتأكيد ضرورة التفاف المواطنين حول رئاسة الجمهورية لحل أزمة مياه النيل، وأن إثيوبيا استغلت انشغال مصر بصراعاتها الداخلية وأسرعت في تنفيذ مشروع ldquo;سد النهضةrdquo;، فيما ذكرت تقارير إعلامية أن جماعة الإخوان لجأت لأئمة المساجد المحسوبين على التيار الإسلامي الذين يناصرون المشروع الإسلامي لدعوتهم إلى تركيز جهودهم على التحذير من الفتنة التي قد تدخل فيها مصر بسبب تظاهرات 30 يونيو المقبلة، ودعوة المواطنين لعدم المشاركة تجنباً للفتنة .
تظاهرات المعارضة التي ترى فيها القوى الإسلامية ldquo;خروجاً على الشرعيةrdquo; تؤكد منظمات وجماعات حقوق الإنسان أنها تأتي إعمالاً لحق المصريين في حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي المكفولان بمقتضى الدستور والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وباعتبار الحقوق والحريات عماد مرحلة ldquo;مصر الثورةrdquo; .
ودعت المنظمات الحقوقية في العديد من بياناتها إلى الحفاظ على الطابع السلمي للتظاهرات وابتعاد الأطراف المشاركة فيها عن اللجوء للعنف، حرصاً على أرواح المصريين وحقناً للدماء، ودفاعاً عن حقوقهم وحرياتهم . كما دعت المنظمات القوات المسلحة إلى الالتزام بالوعود التي قطعتها على نفسها مراراً وتكراراً بالتزامها الحياد التام في ما يتعلق بالصراع الدائر بين الأطراف السياسية المختلفة وبالحفاظ على الأمن القومي للبلاد سواء على المستوى الخارجي والداخلي، وذلك بالتكثيف من التواجد بمحافظات القناة وسيناء لمنع دخول أي عناصر غريبة للبلاد ولتأمين المنشآت الحيوية فقط دون الاشتباك مع المتظاهرين، وأن تترك حماية الشوارع وتأمين أماكن خروج التظاهرات لوزارة الداخلية، وكذلك الالتزام بالوعود التي قطعتها المؤسسة العسكرية بعد الثورة في ما يخص عدم التدخل في إدارة شؤون البلاد، وعدم الرغبة في الاستيلاء على السلطة، والتأكيد على عدم انحيازها لفصيل سياسي بعينه، وترك الشعب يحدد مصيره بإرادته الحرة يوم 30 يونيو، وأن يتدخل الجيش في التظاهرات في حالة واحدة فقط ألا وهي تصاعد أعمال العنف وإراقة دماء المصريين، وأن تسلم القوات المسلحة مقاليد الأمور في البلاد إلى قيادة مدنية فور الانتهاء من الأزمة .
هنا سيناريوهات وهناك توصيات وبينهما مبادرات، وفعاليات للتأييد وأخرى للتمهيد بدأت مبكراً . . والكل يجمع على أن 30 يونيو ldquo;له ما بعده في المشهد المصريrdquo; .
التعليقات