عبد الباري عطوان
ما زالت مصر تعيش حالة انقسام في اليوم الثاني من الانقلاب العسكري الذي اطاح بالرئيس الاخواني محمد مرسي، واتى بالمستشار عدلي منصور رئيسا انتقاليا مؤقتا، يتولى مهام الاشراف على انتخابات رئاسية وبرلمانية في موعد لم يحدد بعد.
الانقسام الآن ينعكس على شكل ملايين تحتفل بانتصارها بإطاحة نظام تقول انه لم يصدق بتعهداته للشعب المصري ولم يحقق اي انجاز، وملايين صامتة وما زالت تعيش حالة الصدمة، والمقصود بهؤلاء انصار الرئيس المعزول والتيار الاسلامي عموما.
غبار كثير يحجب الرؤية السياسية الثاقبة ينتشر في سماء مصر هذه الايام، ولذلك من الحكمة الانتظار حتى يهدأ وينقشع لنحاول رصد التطورات بطريقة علمية صحيحة، ولكن ما يمكن قوله في عجالة ان التهديد الاسلامي الذي يمثله الرئيس مرسي وحركة الاخوان في نظر الليبراليين والمؤسسة العسكرية قد يكون انحسر مؤقتا، بفعل التدخل العسكري وخريطة الطريق التي طرحها، ولكن مصر تظل مفتوحة على تهديدات اخرى، ربما لا تقل خطورة، وهي حالة الفوضى.
السلطات العسكرية اعتقلت الرئيس مرسي والمرشد العام محمد بديع ونائبه امس، وقيادات اخوانية اخرى، وبدأت في توجيه التهم اليهم تمهيدا لمحاكمتهم، ولكن هذه الاعتقالات لا يمكن ان تظل دون ردود فعل غاضبة، فهي ليست مثل اعتقالات رموز النظام السابق الذي توحدت الغالبية الساحقة من الشعب ضده وسعت لإطاحته، فالاخوان لهم انصار وقاعدة شعبية لا يمكن التقليل من حجمها، خاصة في الارياف العمق الحقيقي لمصر.
بمعنى آخر lsquo;ثوار الميادينrsquo; في ميدان التحرير وقصر الاتحادية في القاهرة وسيدي جابر في الاسكندرية هم من الطبقة الوسطى في غالبيتهم، بينما الاربعون مليون مصري الذين يعيشون تحت خط الفقر هم في الارياف ولا يعرفون شيئا اسمه lsquo;الفيس بوكrsquo; وrsquo;التويترrsquo; وrsquo;الانترنتrsquo;، هذا لا يعني عدم وجود طبقة وسطى في الارياف، ولكنها محدودة النسبة.
lsquo; lsquo; lsquo;
هناك توصيفان لحال الثورة المصرية في ظل التدخل العسكري، الاول يقول انها تجددت واخذت زخما جديدا بفضل lsquo;حركة تمردrsquo; وخريطة طريق العسكر، ومعظم انصار هذا الطرح من الليبراليين وانصار جبهة الانقاذ، والثاني يرى ان الثورة المصرية اجهضت لانها بدأت من اجل الديمقراطية واحترام صناديق الاقتراع، وانتهت بانقلاب عسكري قذف بصناديق الاقتراع من النافذة، واصحاب هذا التوصيف هم من انصار الاخوان وتيارهم الاسلامي.
من المفارقة ان الليبراليين المصريين، او معظمهم، الذين هتفوا دائما بسقوط حكم العسكر ايّدوا هذا الانقلاب، وباتوا يدافعون عنه ويقدمون له المبررات، بينما سيقاتل الاخوان المسلمون سياسيا وربما عسكريا في المستقبل كضحايا للعسكر، ومن اجل الديمقراطية والعدالة والحريات.
ولا نستغرب ان يتفاخر انصار الرئيس مرسي غدا بان عهدهم لم يشهد اغلاق محطة تلفزيونية واحدة من تلك التي كانت تشتمهم ليل نهار، ونحن نتحدث هنا عن الفضائيات والقنوات الكبرى، بينما كانت اول خطوة اتخذها قادة الجيش اغلاق ست قنوات تلفزيونية دفعة واحدة محسوبة على الاخوان والتيار الاسلامي.
اذا كان خصوم الاخوان لم يسمحوا للرئيس مرسي ان يلتقط انفاسه باعتصاماتهم ومظاهراتهم والحملات الاعلامية المتواصلة، فإن انصارهم قد يفعلون الشيء نفسه، وربما ما هو اكثر بعد ان خسروا الحكم ولم يعد لديهم ما يخسرونه هذا اذا لم يلجأ المتطرفون منهم الى وسائل عنفية.
المشروع الاخواني في مصر انهزم، وسبب هذه الهزيمة ذاتي ولعوامل واخطاء داخلية تتعلق بالأداء، وخارجي يتعلق بالتدخل العسكري ومظاهرات المعارضة.
حركة الاخوان ارتكبت اخطاء قاتلة، ابرزها طرح مبادرات في اللحظات الاخيرة وبعد فوات الأوان، فالثقة الزائدة عن الحد جعلتها تحاول التفرد بالسلطة وعدم التعايش منذ البداية مع الآخرين، والتجاوب مع مطالبهم، والصدام مع مؤسسات الدولة مثل القضاء، وعدم توسيع دائرة المشاركة في دائرة اتخاذ القرار.
نضرب مثلا على ذلك وهو تقدم الرئيس مرسي بمبادرة الدعوة لحكومة وحدة وطنية من المستقلين قبل انتهاء مهلة الجيش له بدقائق معدودة، وكذلك عرضه بتشكيل لجنة خبراء لتعديل الدستور، فلماذا لم يتقدم بهذه المبادرة قبل ستة اشهر مثلا، ولماذا يصدر اعلانا دستوريا ثم يندم عليه؟
lsquo; lsquo; lsquo;
الاهم من ذلك، الدكتور مرسي تقدم بمبادرة رباعية لحل الأزمة سياسيا في سورية وهو في ذروة قوته، ثم قرر ان يجعلها ثمانية (من ثمانية اعضاء) اي اضافة موفد من النظام السوري وآخر من المعارضة وممثل عن الجامعة وآخر عن منظمة المؤتمر الاسلامي، الى جانب السعودية وايران ومصر وتركيا، ثم يفاجئ الجميع، وفي ذروة المظاهرات المضادة له، بإعلان فتح ابواب الجهاد في سورية؟
مصر بحاجة الى نيلسون مانديلا لتحقــيق المصالحة الوطنية، ويحشد المصريين خلف مشروع وطني، بعد ان فشلت حركة الاخوان او المعارضة الليبرالية في ذلك، ولا نعتقد ان الجيش الذي انحاز الى طرف في الصراع يمكن ان يوفر البديل.
نخشى على مصر من ان السكون الذي يسودها حاليا وبعد انتصار lsquo;حركة تمردrsquo; والمعارضة في اطاحة الرئيس مرسي وحكم المرشد، على حد وصفهم، هو السكون الذي يسبق العاصفة.
ربما نكون متشائمين اكثر من اللازم في زمن الاحتفالات واطلاق الالعاب النارية، ولكن التحذير وقول الحقيقة او جزء منها واجب حتى لو لم يتفق معنا البعض.
التعليقات