القاهرة - أمينة خيري

استنساخ الأفكار ليس إبداعاً، ونقل الخبرات ليس اختراعاً، وتقليد الصرعات ليس ابتكاراً، وارتداء عباءة الجيران ليست أناقة، واعتناق معتقدات الغير موقتاً في سبيل الوصول إلى المآرب ليس عقيدة. والسير على نهج العدو اقتناصاً للفرص ليس ديناً، لكنه خلط للحابل بالنابل واعتناق مفرط للفكر المكيافيللي أكثر ربما من مكيافيللي نفسه.

اختلاط الحابل بالنابل صار شعار المرحلة الراهنة في الشارع المصري. فما إن بدأت هتافات المسيرة الحاشدة المنطلقة من laquo;رابعة العدويةraquo; - حيث يعتصم مؤيدو laquo;الشرعية والشريعةraquo; الذين قرروا الزحف ليلاً إلى محيط laquo;قصر الاتحاديةraquo; - تتردد في أرجاء شوارع حي laquo;مصر الجديدةraquo;، حتى هرعت إبنة حارس العقار الصغيرة من الغرفة وهي تحمل علمها الصغير وأخذت تهتف بعلو صوتها laquo;الجيش والشعب إيد واحدةraquo;! خبطت والدتها بيدها على صدرها وركضت لتضع يدها على فم الصغيرة وهي تحذّرها laquo;لأ لأ دول بتوع الشرعية والشريعة. هنروح في داهية. أسكتي!raquo;.

لم تفهم الصغيرة سبب هلع الأم، ولكنها لاحظت أن المسيرة - وإن تطابقت في الديكور الخارجي والمؤثرات الغنائية مع ما سبقها من مسيرات شاركت فيها مع كل سكان العقار - حملت عبقاً مغايراً ونبرة مختلفة وأجواء مناقضة. الغالبية العظمى من النساء تتشح بالسواد، وأغلب الرجال ملتحون، ونسبة كبيرة ترتدي الجلاليب بأطوالها المختلفة.

الأجواء الكرنفالية الاحتفالية التي سادت تظاهرات 30 حزيران (يونيو) والأيام السابقة والتالية لها لم تكن هناك. صحيح أن كثيرين كانوا يلوّحون بعلم مصر، وهو العلم نفسه الذي صار مرتبطاً بـ laquo;الانقلاب الشعبيraquo; على الدكتور محمد مرسي، وهو ما يؤجج غضب إسلاميي laquo;الشرعية والشريعةraquo;، إلا أنه كان تلويحاً لوجستياً ذا أبعاد تكتيكية.

التكتيك لتحركات الإسلاميين في شوارع مصر هذه الأيام بات يضع الغرب laquo;الكافرraquo; وإعلامه laquo;الداعرraquo; نصب عينيه، ومن ثم فقد جاء قرار إخفاء رايات الجهاد والتوحيد والقاعدة السوداء وأعلام جماعة الإخوان الخضراء صارماً حاداً لا يقبل التأجيل أو التسويف. الأغاني التي لم يكن يسمح بها من قبل في اعتصامات ومسيرات التيارات الإسلامية باتت تصاحب اعتصامهم في laquo;رابعةraquo; ومسيراتهم الزاحفة هنا وهناك. صحيح أن التوليفة الغنائية المملاة على الـ laquo;دي جيraquo; تحوي الكثير من أغنيات الراحل عبدالحليم حافظ الوطنية، لكن تتخللها كذلك أغنيات شامية تتغنى بمصر وأهلها. ولأنها ليست سمة من سمات تجمعات الإسلاميين فقد بدت الأغنيات المصاحبة أقرب إلى النشاز. فالمعتصمون لا يتفاعلون ولا يرددون الأغنيات، كما أن laquo;الزاحفينraquo; لا ينتشون ولا يصفقون مع الألحان، لكنهم يهتفون بعلو الصوت laquo;إسلامية إسلامية!raquo;.

الهتاف الذي بدا خارج السياق التكتيكي لن يضير التغطيات المرجوة كثيراً! فاستنساخ طبول laquo;ألتراسraquo; الضخمة ونقل خبراتهم الهتافية في المباريات النهائية laquo;مصر مصرraquo; كفيلة بتجميل المشهد طبقاً للمقاييس العالمية. صحيح أن الجمع الغفير حين وصل شارع الميرغني لجأ رجاله إلى الجلوس على العلم الضخم الذي كانوا يحملونه، لكن اللافتات المكتوبة باللغة الإنكليزية ستصحح هذا الخطأ الذي ينال من قيمة العلم.

غالبية اللافتات التي تم توزيعها على الزاحفين والزاحفات أقرب إلى الأفلام الأجنبية المترجمة. لافتات laquo;ضد الانقلابraquo; المرفوعة مصحوبة بالترجمة اللازمة Anti Coup وأعلام مصر الملوح بها مكتوب على بعضها بالإنكليزية Protect the Revolution أي laquo;احموا الثورةraquo;. حتى منصة laquo;رابعة العدويةraquo; حيث تم نقل بُشرى ظهور سيدنا جبريل داعماً لشرعية الدكتور محمد مرسي، والحمامات الثماني الخضراوات ما يعني إكماله مدتين رئاسيتين، وإعلان سيدة مسيحية إسلامها دعماً لـ laquo;الشرعية والشريعةraquo;، ارتدت عباءة مختلفة تماماً. وبدلاً من أعلام وشعارات laquo;الحرية والعدالةraquo; والجماعة التي laquo;تحمل الخير لمصرraquo; ومتلازمة الشرعية والشريعة، ظهرت اللافتة الكبيرة منزوعة الانتماءات الحزبية، وبالطبع الدينية، معلنة أنها

Protect the Revolution Protect the Legitimacy

نحمي الثورة نحمي الشرعية.

laquo;النيو لوكraquo; الذي اعتنقته laquo;رابعة العدويةraquo; لم يقنع أهل laquo;رابعةraquo; ولا أهل الانقلاب الشعبي. حتى الغرافيتي الذي يحيط بالطرق المؤدية إلى ميادين laquo;الشرعية والشريعةraquo; بات ينطق باللغة الإنكليزية.

NO CC

Down with Military Coup

وحتى الديموقراطية الكافرة ظهرت على أيدي كتاب الغرافيتي الإسلامي

Morsy for Democracy

على رغم بهاء الحلة الجديدة، وألوانها المناسبة للأجواء الغربية، وموسيقاها الحديثة التي وصلت إلى حد laquo;الرابraquo;، وأغنياتها الوطنية التي كانت من حتى الأمس القريب من المكروهات، وطبول laquo;ألتراسraquo; كرة القدم التي هي من اللهو الحرام، وهتافات laquo;مصر مصرraquo; التي هي أصغر من المشروع الإسلامي، إلا أن هتافات الداخل ما زالت تميل إلى الجذور. ومرة أخرى فرضت laquo;الجبنةraquo; نفسها بشدة مع بزوغ اسم الدكتور محمد البرادعي في التشكيل الوزاري لما بعد laquo;الانقلاب الشعبيraquo; (كما يصفه مؤيدوه)، وذلك بعد أسطورة laquo;جبنة نستو يا معفنينraquo; التي اعتبرها الإسلاميون الذين داهموا خيام المعتصمين أمام قصر laquo;الاتحاديةraquo; في كانون الأول (ديسمبر) الماضي دليل إدانة. فقد جاء هتاف أصيل من laquo;رابعةraquo;: laquo;حط جبنة على المربى ... البرادعي لازم يتربىraquo;.

لكن laquo;اللوكraquo; الجديد لـ laquo;الشرعية والشريعةraquo; لا يكتمل من دون المانشيت الرئيس لجريدة laquo;الحرية والعدالةraquo; يوم أمس. فقد أعلنت الجريدة الناطقة باسم حزب الجماعة أن مدن العالم الحر شهدت تظاهرات حاشدة مطالبة بعودة الدكتور محمد مرسي، وأبرز laquo;المدنraquo; الحرة هي laquo;القدس وتركيا واليمن وأفغانستان وباكستان وأميركا ولبنانraquo;، مؤكدة أن laquo;الملايين تزحف لنصرة الشرعيةraquo;.

أما الصغيرة ابنة الحارس، فقد تركتها المسيرة وقد التبس عليها الموقف. المسيرة تكاد تكون صورة طبق الأصل مع مسيرات laquo;الانقلاب الشعبيraquo;، موسيقى، وغناء، وهتافات، وأعلام مصر، لكنها مختلفة كل الاختلاف. لماذا؟