عبد الحسين شعبان


مع ترقّب ضربة عسكرية أمريكية لسورية تتعاظم مأساة اللاجئين، حيث تبحث مئات الآلاف من العوائل السورية عن ملجأ آمن في إحدى دول الجوار، إضافة إلى النزوح الجماعي لمناطق كاملة بسبب ما لحقها من تدمير، وهو أمر سبق أن تم التحذير منه من جانب منظمات إنسانية دولية وإقليمية، خصوصاً بعد فشل أو تقاعس المجتمع الدولي من القيام بمسؤوليته إزاء اللجوء والنزوح الجماعي، ولا سيّما في مساعدة الدول المضيّفة .

تخطّى عدد اللاجئين السوريين المليوني إنسان حسب ما أعلنت عنه المفوضية العليا للاجئين، فقد كان العدد لما قبل عام يبلغ 671 .230 لاجئاً (مسجّلاً)، علماً أن عدد غير المسجلين يبلغ أضعاف هذا الرقم، سواء في دول جوار سوريا أو غيرها . وقد ارتفع هذا العدد بعد انضمام مليون وثمانمئة ألف لاجئ خلال الشهور الاثني عشر الماضية، مع أعداد أخرى غير مسجلة، وحسب بعض التقديرات فإن عدد اللاجئين السوريين تجاوز الأربعة ملايين وأن الضربة العسكرية الأمريكية، إذا ما حصلت يمكن أن تزيد العدد، حيث من المحتمل أن ينضم نحو ربع مليون لاجئ، إضافة إلى ثلاثة أرباع المليون من النازحين، وتتدفق أعداد اللاجئين اليوم على (العراق) ولاسيما إقليم كردستان ولبنان، وعلى الأردن وتركيا، إضافة إلى مصر ودول أخرى .

وقالت أنجلينا جولي مندوبة المفوضية العليا للاجئين إن ldquo;العالم يجازف بتغاضيه الخطر عن الكارثة الإنسانية السوريةrdquo;، ويقدّر أن يتضاعف عدد اللاجئين السوريين، طالما لا يوجد هناك أفق لحل للأزمة، لا سيّما وقد وصل الحل السياسي (السلمي) إلى طريق مسدود، كما أن الطريق العسكري (العنفي) وصل هو الآخر إلى طريق مسدود حتى الآن، ولهذا فإن مأساة اللاجئين أخذت بالتفاقم وتنذر بعواقب وخيمة، خصوصاً، مع تدهور الأوضاع، وفي ظل استمرار وتصاعد الحرب النفسية والحصار الاقتصادي والصدام المسلح، بما فيه احتمال تكرار الضربات العسكرية من الجو والبحر، فضلاً عن احتمالات تأمين ملاذات آمنة Save haven أو حظر جوي No Fly Zone، كما حصل في النموذج العراقي، طالما بقيت القوى الدولية على خلاف كبير حول التوصّل إلى حل لإنهاء النزاع الداخلي السوري، بما فيه تغذية أطراف النزاع بالسلاح وأنواع الدعم المختلفة .

حتى الآن هناك مشكلة لوجستية تتعلق بضعف الإمكانات المادية لتأمين المستلزمات الأولية الإنسانية للاجئين لدى دول الجوار، فلا المنظمات العالمية وحدها قادرة، ولا دول الجوار التي تعاني هي بدورها الكثير من الاحتياجات والتحديات، فضلاً عن استنزاف جزء مهم من طاقاتها، ولا المجتمع الدولي يتحمّل مسؤوليته إزاء هذه الكارثة الإنسانية .

وما يعاظم المأساة السورية هو أن أكثر من 52% من اللاجئين هم من الأطفال دون السابعة عشرة من العمر . ولعلّ حجم هذه المأساة أخذ في الاتساع بخصوص النازحين داخل سوريا، ووفقاً لإحصاءات تعود إلى نهاية شهر أغسطس/آب الماضي 2013 نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن عددهم بلغ أربعة ملايين وخمسة وعشرين ألف نازح . وبهذا المعنى يكون أكثر من ربع سكان سوريا يتوزعون بين اللجوء والنزوح (أكثر من ستة ملايين)، يضاف إلى ذلك أن عموم السكان يعانون تأثيرات الحرب الداخلية والنزاع المسلح وارتفاع نسبة الجريمة والتطرف والتعصب والعنف، ولا سيّما إزاء المجموعات الثقافية الدينية والإثنية، وما حصل في الشهر الماضي (أغسطس/آب) ومطلع شهر سبتمبر/أيلول، سواء استخدام السلاح الكيماوي أو مهاجمة الكنائس والأديرة وقتل رجال دين ومواطنين مسيحيين في مدينة معلولا، إلاّ أحد انعكاسات الأزمة السورية المستفحلة التي أدّت إلى تمزيق الكيان المجتمعي والوحدة الوطنية وارتفاع منسوب العنف والإرهاب .

ولهذا وصف المفوض الأعلى للاجئين انطونيو غوتيريس في بيان له حول اللاجئين السوريين سورية بقوله: ldquo;أصبحت مأساة هذا العصر الكبرى، هي كارثة إنسانية مشينة مع ما يواكبها من معاناة وعمليات تهجير لم يشهدها التاريخ الحديثrdquo; .

وبعد هل هناك ضوء في نهاية النفق، لاسيّما من الناحية الإنسانية وانطلاقاً من اللوائح الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها حقوق اللاجئين؟ وإذا أردنا الخوض في هذا الموضوع، فمن زاويته الإنسانية وحتى بعيداً عن السياسة، وإن كان موضوع اللاجئين يقع في صلبها، خصوصاً البحث في السبل الكفيلة لحل الأزمة السورية .

وإذا كانت أرقام اللاجئين السوريين مخيفة، خاصة بحجم تأثيراتها في دول الجوار، في الجوانب الصحية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والأمنية والمالية وسوق العمل وارتفاع معدّلات الجريمة والتطرّف، فإن علينا معرفة نتائجها الآنية والمستقبلية على المجتمع السوري، وعلى مجمّعات اللاجئين أنفسهم، لاسيّما أوضاع الأطفال والنساء بشكل خاص، إضافة إلى الشباب، وخاصة بانعدام فرص العمل والدراسة والحياة الطبيعية .

وحسب القانون الدولي الإنساني واتفاقيات حقوق اللاجئين منذ العام 1933 والعام 1951 وملحقها العام ،1967 حيث توسعت حقوق اللاجئين، يعتبر اللاجئ بشكل عام هو: كل شخص اضطرّ إلى ترك وطنه الأصلي والعيش خارجه بسبب الاضطهاد، سواء العرقي أو الإثني أو الديني أو بسبب الجنسية أو الانتماء إلى مجموعات اجتماعية معينة أو بسبب آرائه ومعتقداته السياسية، وهو غير قادر على الانتفاع أو الحصول على حماية بلده من جانب سلطاتها المختصة، وغير قادر على العودة إليه بسبب الخوف من الاضطهاد .

للاجئ حقوق اجتماعية وسياسية ومدنية، مثل الحق في العلاج والتعليم والعمل وممارسة حقوقه المدنية، إضافة إلى الحق في الحصول على حماية حياته وأمنه، ولكن للأسف فإن الكثير من البلدان لا تؤمن المستلزمات الضرورية لممارسة هذه الحقوق، أما لعدم احترامها الكامل لحقوق الإنسان أو لعدم قدراتها الاقتصادية والمادية أو لنقص في قوانينها وآلياتها للحماية . ولم تدرك الكثير من الحكومات والجماعات السياسية مخاطر الأزمة المستفحلة في سوريا إنسانياً، خصوصاً أنها تمثل تحدياً على جميع الجوانب السياسية والاجتماعية والأمنية والثقافية، سواءً على أوضاع الحاضر أو أوضاع المستقبل .

وتعتبر منطقتنا بالأساس الأكثر سخونة في العالم إزاء قضايا اللاجئين، ولاسيما في العقد الماضي، سواء عدد اللاجئين أو المستلزمات غير المتوفرة لهم . فحتى الآن هناك مئات الألوف بل ملايين من اللاجئين والنازحين العراقيين والسودانيين والصوماليين واليمنيين، وبعد انضمام ملايين اللاجئين السوريين إليهم أصبحت الكارثة شاملة، وأصبحت المنطقة مرجلاً يغلي، بل يهدّد بالانفجار في كل ما يتعلق بقضايا الأمن والإرهاب والعنف والتطرّف، التي يسبّبها تفاقم أعداد اللاجئين والحالة المأساوية التي يعيشونها، يضاف إلى ذلك وجود نحو خمسة ملايين لاجئ فلسطيني منذ العام 1948 والعام 1967 .

ومرّة أخرى خارج نطاق السياسة، إذا كانت واشنطن تفكر في ضربة عسكرية لسورية، فعليها التفكير بالجانب الإنساني الذي يتعلق باللاجئين والنازحين، وإنها تتحمل المسؤولية السياسية لا عن الضربة العسكرية وتداعياتها فحسب، بل عن أوضاع اللاجئين والنازحين أيضاً .