مساعد العصيمي

لم يكن غريبا على من برأسه عقل أن يسعد بنيل الناشطة الباكستانية المراهقة ملالا يوسف جائزة نوبل للسلام، كيف وهي التي دفعت ثمن إصرارها على التعليم لها ولقريناتها رصاصة في الرأس ولولا لطف الله لكانت من المنسيين؟
هذه الفتاة الباكستانية التي وقفت بثبات ضد الهمجية، أعادت لنا ذكريات السنين الخاصة بالرفض وتحريم كل ما هو جديد، ذكرتنا بالثورة على مدارس البنات ورفض إقامتها في مناطق كثيرة من بلادنا وكأنها رجس من عمل الشيطان، حتى باتت الفتاة أسيرة لما يراه ولي أمرها، بل ما يراه المجتمع، الأمر الذي أخّر تعليمها وارتقاءها حتى تيقن المجتمع سوء نظرة الجهلة فباتوا لا يأبهون برأيهم.


نعم كانت مدارس البنات وفق اعتقاد بعضنا الخطوة الأولى للتمرد على الدين والقيم والتقاليد، فمن تخرج للدراسة سيصاحبها الشيطان، لذا كانت الحرب الدائرة في السبعينات والثمانينات الهجرية مستعرة، حتى إن طالبة العلم لا تجد قبولا من المجتمع لاقتحامها مجالا ليس لها، ليكتب أحد المحاربين لتعليم المرأة في إحدى رسائله: "لو أن الداعين كشفوا عن أهدافهم مباشرة، فدعوا للتبرج والاختلاط والجنس، لما أرسل أحد ابنته إلى المدرسة". ويضيف في مكان آخر: "والهدف من هذا كله هو: إسقاط المجتمع بإفساد المرأة، وتدمير المحضن المربي، والنتيجة فساد الأخلاق وضياع الأجيال، مما يمكّن العدو من فرض سيطرته وتنفيذ أغراضه".


انتهى ما نقلناه، وأي رسالة تلك ومثلها الكثير وكأن الباب التالي للتعليم النسوي والعياذ بالله القفز إلى الكراخانات "أكرم الله نساءنا وأعزهن وأعزكم عن مثل هذا القول".. وإن كنا لا ننكر أن هذا يعبر عن كثير من الفكر السائد في ذلك الزمن لكن نحمد الله أننا تجاوزنا هذا البلاء بالإرادة الصلبة التي منحت المرأة حقها في التعليم، لنقف على الباب التالي لتعليم المرأة هو رقي المجتمع وتمسكه أكثر بأخلاقياته وأدبه.


عفوا.. فقد كان جديرا أن نشير إلى أن ديننا حث على التعليم ولم يفرق بين رجل وامرأة في ذلك، لكن هي أفكار متزمتة كانت تحكمنا، وكان اقتلاعها واجبا، وعفوا مرة أخرى فلم يكن رفض التعليم النسوي خصوصية سعودية بل هي صفة للبلدان الجديدة على الحضارة والتعليم سواء في بلاد العرب أو في أوروبا والأميركتين، فكل منها قد عانى من سطوة الرجل وإن اختلفت التواريخ، ولعلنا هنا نستشهد بالبلد الذي يعد من أقدم البلدان العربية انفتاحا على التعليم وهو العراق، وكيف أن تعليم المرأة قد مر بمراحل تصادمية غيبت حقها في ذلك دهرا طويلا، ونستشهد بما ذكره المفكر العراقي الكبير علي الوردي في كتابه (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي): "إن فقيهاً بغدادياً هو الشيخ نعمان بن أبي الثناء الألوسي، قد ألف كتابا في 1897 بعنوان: "الإصابة في منع النساء من الكتابة"، قال في إحدى فقراته: "فأما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله منه، إذ لا أرى شيئاً أضر منه بهن. فإنهن لما كن مجبولات على الغدر، كان حصولهن على الملكة من أعظم وسائل الشر والفساد".


جميل القول أننا لم ندفع الثمن رصاصا كما كانت عليه ملالا.. لكنها كشفت لنا أن الجهل في هذا العالم ما زال يضرب بأطنابه