ضياء رشوان
من بين كل صراعات الكرة الأرضية القائمة حالياً في عديد من مناطقها، يظل الصراع الممتد في شرق منطقتنا العربية ومعها منطقة الشرق الأوسط، هو الأطول والأكثر تعقيداً على مستوى العالم، سواء في مساراته المتعاقبة المركبة أو في احتمالات إنهائه.
ولكي نعيد توصيف هذا الصراع، فهو هذا الذي بدأ بين الفلسطينيين وعصابات المهاجرين اليهود إلى فلسطين منذ أن اتخذ المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في بازل بسويسرا، قراره بأن «هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين»، عبر عدة وسائل أوضحها القرار وأبرزها، تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتنظيم اليهود وربطهم بالحركة الصهيونية، واتخاذ السبل والتدابير للحصول على تأييد دول العالم للهدف الصهيوني، ومن أجل تسهيل تنفيذ كل هذا، إعلان إقامة المنظمة الصهيونية العالمية لتنفيذ هذا.
وبعد هذا المؤتمر بعشرين عاماً، وبالتحديد في نوفمبر 1917، بعث وزير خارجية المملكة المتحدة آرثر جيمس بلفور برسالة إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء «وطن قومي لليهود في فلسطين»، وهي الرسالة التي عرفت باسم وعد بلفور.
ومنذ تلك الأوقات، تدافعت حلقات ومراحل الصراع الذي جاوز القرن من الزمان، لكي يشهد كل تلك الحروب والصدامات المسلحة التي لم تتوقف تقريباً طوال هذه المدة، بما شملته من تداعيات شديدة الأهمية والتأثير عرفتها داخلياً دول المنطقة كلها تقريباً بلا استثناء، وخصوصاً بدءاً من نهاية أربعينيات ومفتتح خمسينيات القرن الماضي، بعد صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 عام 1947، بتقسيم فلسطين إلى دولتين، والذي أعلنت بعده في 15 مايو 1948 «دولة إسرائيل»، بينما بقيت «دولة فلسطين» حلماً لشعبها وحلاً نهائياً عادلاً للصراع لم يتحقق قط.
عرف الصراع خلال تاريخه الطويل - ولا يزال – انتصارات وانكسارات لأطرافه، وإن ظلت التوسعات الإسرائيلية والتمددات الإقليمية لجيشها في الأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا، فضلاً عن حملاته المتواصلة لقمع الشعب الفلسطيني وصولاً إلى الإبادة الجماعية في غزة حالياً، هي الأكثر وضوحاً وسيطرة على مجريات هذا الصراع.
وبالرغم مما بدا ظاهرياً في بعض المراحل من أن الصراع قد وصل إلى نهايته بتحقيق إسرائيل «انتصارات» حاسمة، مثلما حدث في عدوانها في 5 يونيو 1967 واحتلالها سيناء المصرية والجولان السورية والضفة الغربية الفلسطينية، إلا أن هذا لم يتحقق قط، حيث أتت حرب أكتوبر 1973 على الجبهتين المصرية والسورية، ليعبر الجيش المصري قناة السويس ويحطم خطوط الدفاع الإسرائيلية الحصينة وأبرزها خط بارليف الشهير، ويجبر جيشها على التراجع إلى وسط سيناء.
ولم يتحقق أيضاً قط «انتصار» إسرائيل الحاسم والنهائي في حروبها التي لم تتوقف طوال كل تلك السنوات، وخصوصاً على الشعب الفلسطيني، الذي ظل يواصل مقاومته لها ويبتكر في كل مرحلة أشكالاً جديدة لها.
وفي المرحلة الحالية التي نمر بها منذ أكتوبر 2023، يهيمن على الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية وتطرفاً منذ عام 1948، تقدير يتبناه ويقوده رئيسها، بأن لحظة «النصر النهائي والمطلق» لإسرائيل لم يبق عليها سوى خطوات قليلة ووقت قصير للغاية.
وقد بني هذا التقدير وتضاعفت القناعة الإسرائيلية به بالنظر لكل التغيرات والتطورات شديدة الأهمية التي شهدها الصراع والإقليم كله منذ عملية «طوفان الأقصى» وصولاً إلى الإطاحة بنظام الحكم في سوريا.
وترجح النظرة الأشمل والأعمق لمجريات «صراع القرن» الأكثر تعقيداً وطولاً على مستوى العالم بمختلف مراحله، أن جذوره ونتائجه وآثاره على مجمل منطقتي الشرق الأوسط والعالم العربي، أعمق بكثير من الظن الإسرائيلي.
فتصور إنهاء هذا الصراع بتغير كبير هنا أو بتطور مهم هناك، بدون حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية بحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة والمعتمدة بقرارات الشرعية الدولية بما يضمن له إقامة دولته المستقلة، إنما هو محض «أمنية» إن لم نقل «وهماً»، سرعان ما ستمر شهور أو سنوات قليلة ليندلع مرة جديدة وبصور أخرى، مهما كانت التغيرات الكبيرة أو التطورات المهمة التي نشهدها اليوم وقد يظهر غيرها غداً.
التعليقات