تخيّل صباحاً مختلفاً، حيث يهمس لك سريرك (استيقظ، لقد حان الوقت) وتُرسل لك مرآتك تقريراً عن صحتك من نظرة واحدة على وجهك، ويخبرك حذاؤك أن خطواتك خلال الأسبوع الماضي لم تكن كافية لتحسين اللياقة، حتى محمصة الخبز، تلك الأداة الصامتة التي عاشت لعقود بلا هوية، تبتسم لك (افتراضياً) لتخبرك أن الخبز جاهز وأنه تم تحميصه بناءً على تفضيلاتك الحرارية الجديدة.

في هذا العالم، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة، بل أصبح شريكاً واعياً يتسلل إلى أدق تفاصيل الحياة، الأرقام لا تكذب يا صديقي، بحلول عام 2030، من المتوقع أن ينمو سوق الذكاء الاصطناعي إلى 1.8 تريليون دولار، متفوقاً على سرعة نمو الإنترنت في التسعينيات، ولكن في هذه المرة، لن يكون الذكاء الاصطناعي (ثورة) تقف عند حدود التكنولوجيا، بل سيكون هو (الحياة) ذاتها…!

نعم أجهزة تتحدث وعالم يفكر، سيرافقنا الذكاء الاصطناعي في كل زاوية، في المستشفيات سيتفوق على الأطباء في تشخيص الأمراض النادرة، حيث سيستند إلى مليارات السجلات الطبية والصور البيانية. دخولك إلى غرفة الطوارئ لن يستغرق دقائق انتظار، ستُشخّص حالتك لحظياً من خلال مسح بسيط لمؤشراتك الحيوية، المدهش أن نسبة الدقة ستتجاوز الخطأ البشري بكثير، لتصبح حياة الإنسان أكثر أماناً ولكن بلا خصوصية.

في المنازل ستتحول الأجهزة من مجرد أدوات وظيفية إلى (كائنات ذكية) تتعلم من عاداتك، غسالة الملابس لن تكتفي بدورة تنظيف بل ستُحدد أنواع الأقمشة تلقائياً وتُعطيك تقريراً عن اهتراء بعض الملابس، حتى المطبخ سيصبح مديراً خاصاً بتغذيتك: الثلاجة ستخبرك بالأطعمة التي أوشكت على الفساد، وتُقترح لك وصفات بناءً على ما تملكه، متوافقة مع احتياجاتك الصحية.

إقرأ أيضاً: الصحراء المغربية: الحتمية التاريخية والسياسية للوحدة الوطنية

هل أكتب مبالغات؟ هل يبدو هذا خيالاً؟ ليس تماماً، التطورات الحالية تُشير إلى أن الموجة القادمة من الذكاء الاصطناعي ليست حول الروبوتات، بل حول الأشياء التي تفكر وتتعلم.

حيث المزارع الذكية لإنتاج الطعام أكثر ذكاءً.

في الحقول البعيدة، سيصبح كل سنتيمتر مربع من الأرض مُراقباً، أنظمة الذكاء الاصطناعي ستضبط الري بدقة فائقة، توفّر المياه كل ثانية وفقاً لحالة التربة واحتياجات النبات، الطائرات المسيّرة ستحلق فوق المحاصيل لتُراقب صحتها وتُعالج الأمراض قبل أن تنتشر، والعالم الذي كان يعاني من هدر الموارد سيجد في الذكاء الاصطناعي حلاً أخضر يحقق الأمن الغذائي، بلا إهدار ولا مجاعة.

إقرأ أيضاً: الإشعاع الخفي: قتل صامت دون أثر

المصانع الذكية ستمثل قلب الثورة الإنتاجية القادمة. ستُراقب الآلات بعضها البعض، تُصلح نفسها ذاتياً قبل حدوث الأعطال. الذكاء الاصطناعي سيُحسّن العمليات من خلال ملايين البيانات اللحظية: يُقلل التكاليف، يُزيد الإنتاجية، ويُصنع منتجاً بأعلى جودة بأقل جهد بشري، أما العامل البشري فلن يختفي، بل سيتحول إلى قائد ومنظّم لعقل الآلة، حيث يعمل البشر والذكاء الاصطناعي جنبًا إلى جنب، لكن… هل نملك السيطرة؟

في هذا العالم المبهر، تنشأ أسئلة قديمة جديدة: إذا أصبحت كل الأشياء ذكية ومستقلة، فإلى أي مدى سنظل نحن المسيطرين؟ كيف سنحمي خصوصيتنا إذا كانت الأشياء من حولنا تعرف عنا كل شيء؟

هذه الأسئلة ليست مجرد رفاهية فكرية؛ إنها ضرورية لضمان أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادماً للبشرية لا سيداً لها، فمع كل التطور، يجب أن يُرافقه إطار أخلاقي وتشريعي يضبط العلاقة بين الإنسان وما صنعه.

إقرأ أيضاً: الليلة الأولى للطاغية في موسكو الباردة

حين نستيقظ ذات يوم على هذا العالم الجديد، سنجد أن كل شيء من حولنا أصبح يتحدث ويفكر ويتعلم، ليس كابوساً بل واقعاً يحمل معه وعداً بالتقدم، أما التحدي الحقيقي فيكمن في استيعاب هذا التحول: كيف نُعيد صياغة علاقتنا بالأشياء وبالحياة نفسها؟

نحن مقبلون على لحظة فارقة في تاريخ البشرية. العالم الذي سنراه في 2030 لن يكون كما نعرفه الآن؛ بل سيكون أكثر دهشة، وأكثر ذكاءً… وربما أكثر إنسانية إن أحسنا استغلاله.

هل نحن مستعدون لعالم يستيقظ فيه كل شيء؟