على محسن حميد
بعد أن اقتحم أنصار الله (الحوثيون) صنعاء قبل أكثر من شهر باستخدام القوة -المفرطة أحيانا - وتمددوا في أكثر من محافظة يمنية باسم «اللجان الشعبية» غير القانونية والمخالفة لاتفاق السلم والشراكة الوطنية أبدى كتاب عرب قلقهم من أن يطول هذا التمدد مضيق باب المندب.
البعض كان محقا فى قلقه والبعض الآخر سد فراغ مقال يجب أن يكتب فى موعده ومن هؤلاء من لم يسبق له الاهتمام باليمن. المتخوفون من تمدد أنصار الله إلى مضيق باب المندب يصورونهم قوة بحرية ستتحكم بالتجارة النفطية وغير النفطية فيه .هذا المشروع ،اللامشروع ، أكبر من قدراتهم وهو قطعا خطير لاتصاله بمصالح سيادية يمنية ومصالح استراتيجية عربية ودولية
وإذا كان قد تم التساهل من قبل القوات المسلحة والأمن اليمنية بسبب تفريغ الجيش من تماسكه وعقيدته القتالية فى عهد الرئيس السابق صالح فإن الوضع سيختلف عندما يتعلق الأمر بمضيق باب المندب. ومايجب التنويه إليه خلط البعض بين قدرة أنصار الله على التمدد فى اليابسة اليمنية وتمددا متخيلا على البحر يمكنهم من السيطرة على أهم موقع استراتيجى بحري يمني. قال الرئيس هادى إن من يسيطر على باب المندب ومضيق هرمز لايحتاج إلى قنبلة نووية وهذا الإدراك يعنى أن الدولة لن تفرط بهذا الممر المائى واليمن لن يمكن أى قوة خارجية من امتلاك هذه القنبلة التى ستهدد أمنه هو بالدرجة الأولي.
لقد تمحورت الكتابات القلقة حول أربعة أمور: 1ـ أن التمدد الحوثى سيتبعه حتما وجود إيرانى فى باب المندب. 2 ـ أن إيران ستجعل منه ومن مضيق هرمز كماشة خانقة فى جنوبيّ البحر الأحمر والخليج العربي. 3 ـ ستكون إيران قادرة على الإضرار بموارد قناة السويس والإضرار باقتصاد مصر لأن قيمة القناة بالنسبة لمصرالآن تعادل إلى حد ما قيمة الهند سابقا بالنسبة لبريطانيا وقد يعيد التاريخ نفسه فتحتل قوى كبرى المضيق لحماية المرور البريء فيه كما احتلت بريطانيا عدن عام 1839 لحماية مصالحها فى الهند. 4 ـ أن استقلال اليمن لايتجزأ ومطالبة أنصار الله بصيانة السيادة والاستقلال الوطنيين يوجب عليهم عدم التفريط بهذه السيادة. أما إيران فعلى فرض صحة هذه التخوفات فلن تكون فى نزهة وستهدر فرصة التصالح النووي وما قد يليه مع الغرب وستفتح جبهة صراع جديدة هى فى غنى عنها.
أما اليمن فسيدافع عن سيادته وعن مصالحه فى هذا الممر المائى الهام بما يتوفر له من قوة بحرية ولن يقبل أى تمدد فيه. إن من يزرع الخوف منحاز مسبقا ول ايرى فى أنصار الله إلا وكلاء لمشروع توسعى إيرانى وينزع عنهم هويتهم الوطنية وينسى جانبا إيجابيا مهما فى التطورات المأساوية اليمنية الأخيرة وهو قتال أنصار الله لأنصار الشريعة (قاعدة اليمن) فى أكثر من محافظة وهو ما يتفق مع مصالح أكثر من طرف يريد الخلاص من تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب الذى يهدد أمن اليمن وطبيعة نظامه السياسى ووحدته وأمن المملكة العربية السعودية وكل دول الخليج ومصر ومصالح غربية عديدة. فى هذا الصدد فإن الولايات المتحدة لا يعنيها كثيرا ترديد أنصار الله لشعار الموت لأمريكا بقدر ما يعنيها قضاء أنصار الله على القاعدة فى اليمن وتخليص اليمن والعالم من إرهابها شبه اليومي.
فى خضم هذه التناولات الصحفية يغيب عن الكل أن اليمن لن يفرط بسيادته ولن يقبل بأن تكون أراضيه أو مياهه الإقليمية مصدرا للإضرار بأمن أشقائه وأن ما يجرى من تمدد لأنصار الله فى الداخل اليمنى مؤقت ومصيره الانتهاء ومرهون بالفترة الهلامية التى أوجدها فراغ السلطة نتيجة محاولات صالح المستميتة العودة إليها. من جهة ثانية تغيب عن الكل حقيقة أن أنصار الله فصيل سياسى وطنى ولا يملك قوات بحرية تمكنه من التمدد بحرا وأن نجاحاته على اليابسة غير قابلة للتكرار فى البحر. لقد تذكر البعض فجأة أن البحر الأحمر بحر عربي، وأن عروبته فى خطر لأن أنصار الله سيحولونه إلى بحر فارسي، وأن أنصار الله فى جيب إيران ولا يدركون عدة حقائق منها أن مصر دولة بحر أحمرية وقوة بحرية لايستهان بها، وأن هناك ستة أطراف عربية وغير عربية يهمها أمن هذا الممر المائى إضافة إلى قوتين غربيتين لهما وجود عسكرى دائم فى البحر الأحمر.
أنصار الله كشركاء فى السلطة شركاء بالتبعية فى حماية استقلال اليمن وليس من مصلحتهم أن يصبحوا وكلاء لمصالح أجنبية وإلا فإنهم يحفرون قبورهم بأيديهم. واليمنيون عروبيون. برغم محاولة بعض أبنائه تذويب هويتهم العربية وخطفهم بعيدا عن محيطهم العربى واستبدالها بهوية تعادى العروبة، وأن مصلحتهم الوطنية تقضى برفض التبعية أيا كانت وأن باب المندب وموقع اليمن الاستراتيجى رصيد إيجابي يمنى وعربى يجب أن يستثمر لصالح استقراره وأمن المنطقة العربية برمتها، وأن هذا الموقع القريب من حقول النفط فى الخليج العربى هو أحد محفزات قوى عربية وغربية على الاهتمام بالشأن اليمنى منذ أن لاحت بوادر انحداره إلى دولة فاشلة فى مؤتمر لندن عام 2006 وما تلاه من إنشاء مجموعة أصدقاء اليمن ثم المبادرة الخليجية ومجموعة الدول العشر.
خلفية التمدد: عندما أصدر الرئيس هادى قرارا فى 10 فبراير بتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم تنفيذا لوثيقة مؤتمر الحوار الوطنى التى حولت اليمن من دولة بسيطة إلى دولة اتحادية كانت محافظة صعدة المجاورة لمحافظة حجة التى تطل على البحر الأحمر ضمن إقليم أزال ( صعدة صنعاء عمران وذمار) وكان أنصار الله يريدونها فى المؤتمر أن تكون فى نفس الإقليم التى تكون فيه محافظة حجة لأنهم يريدون إقليما بمنفذ بحرى له مردود اقتصادى على إقليمهم الفقير فى موارده.
&
التعليقات