علي العنزي

لا شك أن الوضع العربي أصبح في حال لا تُحسد عليها، منذ اندلاع ما سمي «ثورات الربيع العربي»، والتي تحولت إلى موجه من العنف لا تزال تجتاح الدول العربية التي اندلعت فيها هذه الثورات، لتتحول في معظمها إلى صراع مسلح بين العديد من الأطراف في كل دولة، فالتنازع والتناحر بين مكونات المجتمع أصبح سائداً في هذه الدول، مع غياب رؤية واضحة لانتهاء هذا العنف والنزاع، فأثرت هذه الاحتجاجات المسلحة في العلاقات بين الدول العربية، فوقف بعضها مع طرف ضد الآخر، وهو ما أظهر انقسامات في الشارع العربي، إضافة إلى اختلاف في التعامل السياسي بين الدول المنضوية في منظمة جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون الخليجي، وأصبح التدخل الخارجي، إقليمياً ودولياً في أعلى مستوياته، فالعراق وسورية وليبيا واليمن ساحات لصراع دموي لا يستطيع أحد أن يحدد نهايته أو مداه، أو شكل هذه النهاية، إذ أصبحت هذه الدول بسبب ممارسات أنظمتها جاذبة للجماعات المتطرفة من كل حدب وصوب، وهو ما يعرض المنطقة بأكملها لاحتمالات التقسيم والتشرذم وعدم الاستقرار الدائم لا قدر الله.

لا أحد يستطيع أن يغفل أهمية مصر دولةً وشعباً في المنطقة العربية، وعلى مستوى العالم، ولاسيما في الوقت الراهن، فما تعرضت له من عدم استقرار لن يكون تأثيره في مصر فقط، بل في مستوى المنطقة العربية بأكملها، ويمكن أن تكون إعادة لرسم خريطة المنطقة إذ وقعت مصر في حال عدم الاستقرار والفوضى-لا قدر الله-، لذلك جاءت المبادرة السعودية إدراكاً منها لأهمية الوقوف مع مصر ودعم استقرارها والوقوف إلى جانبها -حكومةً وشعباً-؛ لأنها هي النواة والرافعة لحل مشكلات المنطقة العربية بأكملها، وهو الموقف الذي اتخذته السعودية منذ اليوم الأول لاختيار الشعب المصري للنظام السياسي الذي يرغب فيه، فكان موقفاً حازماً وحاسماً، أظهرت السعودية أن المصالح العليا للأمة العربية ولشعوبها -وعلى رأسها مصر وشعبها- فوق كل اعتبار، فساعد موقفُها الحكومةَ المصرية وشعبها على النهوض والصمود، وشجع الأصدقاء للوقوف إلى جانب مصر في لحظة تاريخية كانت العديد من الدول الطامعة تتربص بمصر وشعبها؛ لتحرمها من النهوض والوقوف إلى جانب أشقائها العرب في وجه الأخطار التي تتهددها.

لقد استمر الدور السعودي البنَّاء لجمع الأشقاء العرب في هذه الظروف الحالكة، فكانت القمة الخليجية الطارئة في الرياض، التي مهدت لمصالحة شاملة بين الأشقاء الخليجيين؛ لتكون منطلقاً لقمة الدوحة التي كانت هي المرتكز الذي وحَّد الموقف الخليجي تجاه قضايا عدة، وكانت محل خلاف بين الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي، ومن ضمنها الوقوف إلى جانب الشقيقة مصر وتأييدها في هذه الظروف القاسية والحساسة، سياسياً واقتصادياً، وحتى عسكرياً إذا اقتضى الأمر، ولذلك جاء البيان الختامي لقمة الدوحة واضحاً في هذه النقطة بالذات، لتبدأ بعدها جهود الرياض في المصالحة بين مصر وقطر، إذ كانت هناك لقاءات سياسية لمسؤولين من مصر ومن قطر في الرياض، لتتوج هذه الجهود باستقبال الرئيس عبدالفتاح السيسي مبعوث خادم الحرمين الشريفين ورئيس الديوان الملكي معالي الأستاذ خالد التويجري، ومبعوث أمير دولة قطر مساعد وزير الخارجية القطري لشؤون التعاون الدولي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، ليشير بيان رئاسة الجمهورية حول لقاء الرئيس السيسي مع المبعوثين، بأنه من أجل «سبل تفعيل المبادرة التي طرحها الملك السعودي خلال مؤتمر الرياض، وما أُكِّد عليه في القرارات الصادرة عن المؤتمر بشأن التزام جميع دول مجلس التعاون الخليجي بدعم مصر، والإسهام في أمنها واستقرارها، فضلاً عن دعم التوافق بين الدول العربية، ولاسيما بين مصر وقطر»، معرباً الرئيس السيسي كذلك عن «اتفاقه التام مع الملك السعودي في مناشدته جميع المفكرين والإعلاميين التجاوب مع المبادرة ودعمها، من أجل المضي قدماً في تعزيز العلاقات المصرية-العربية، ولاسيما المصرية-القطرية».

يتوقع المراقبون والمحللون أن يعقب هذه المصالحة والبيانات الصادرة بشأنها، زيارة لأمير قطر، وحضور القمة الاقتصادية المصرية التي ستعقد في القاهرة، وهو -إن تم- سيكون مؤشراً قوياً على أن المصالحة بدأت تؤتي ثمارها، إضافة إلى وقف الحملات الإعلامية من الطرفين، والتي كانت أحد مسببات تأجيج الخلاف بينهما، وكذلك عودة الاستثمارات القطرية للاقتصاد المصري؛ لتسهم مع أشقائها في السعودية والكويت والإمارات بدعم الاقتصاد المصري؛ للوقوف على قدميه. لا شك أن الظرف العربي الحالي لا يحتمل خلافات بين الدول العربية، ولاسيما مع مصر، وهو ما يجعل المصالحة بين مصر وقطر ضرورية؛ لتكون أساساً لمصالحات عربية أخرى قادمة، ستقودها السعودية وبالتعاون والتنسيق مع مصر، ودعم من دول مجلس التعاون الخليجي؛ لأن عدم احتواء الخلافات العربية سيدخل تدخلات جديدة في المنطقة، ويشكل من خلالها تحالفات غير مثمرة مع دول غير عربية.

إن الخلافات العربية يجب أن تتلاشى ليس فقط بين مصر وقطر، بل بين الدول العربية كافة، كما أنه قد حان الأوان أن ينصت القادة العرب لصوت العقل، والسعودية هي الدولة المؤهلة لقيادة هذه المصالحات، لما تملكه من مؤهلات ورصيد تاريخي، يجعلها قاطرة لهذه المصالحات، فالخلافات العربية إن لم تحل ستكون شوكة في ظهر وحدة الصف والتحالف العربي، علماً أن الدول الكبرى والإقليمية الطامعة تسعى لإغراق المنطقة العربية في الخلافات والمشكلات، حتى يستطيع النفاذ من خلال هذه الخلافات للجسد العربي والانقضاض عليه، لذلك لا يجوز لأي دولة عربية أن تتحالف مع أي قوى خارج المنظومة العربية، الهدف منه هو النفاذ إلى المنطقة، والسماح لها بالسيطرة على أي جزء من المنطقة العربية، سواء أكان في لبنان أم اليمن أم سورية أم العراق أم غيرها من المناطق العربية الأخرى.

يبدو أن الجهود السعودية التي نجحت في المصالحة المصرية-القطرية، ماضية في رسم خرائط جديدة للتعاون المصري-الخليجي؛ للحفاظ على وحدة الصف العربي، وكذلك الحفاظ على تماسك وحدة دول مجلس التعاون الخليجي؛ لتكون نواة لوحدة الصف العربي؛ ولتثمر هذه الجهود بتجاوز نقاط الخلاف بين الدول العربية كافة؛ وتعود المنظومة العربية فاعلة بجهود سعودية مصرية مشتركة.

&


&