&&عماد المرزوقي&


الحرب الباردة تعود عبر سفن الاستخبارات، والجيش الروسي يريد التوسع أكثر في قواعده الخارجية خصوصا على اراضي حلفائه الشيوعيين، ولعل قطع الطريق امام مثل هذه النوايا الروسية للاقتراب من واشنطن اكثر عبر كوبا يعتبر حافزا لاتخاذ ادارة اوباما قرارا تاريخيا كما يصف الاعلام الأميركي من طرف واحد لتطبيع العلاقات مع اكثر اعداء اميركا، فيدال كاسترو.

الاقتراب من العلاقات الأميركية ـ الكوبية اعتبر دائما في كواليس السياسة الخفية الأميركية مثل اللعب بالنار، اكتوى منها قبل خمسين عاما الرئيس الراحل جون كينيدي الذي رجحت بعض التقارير ان حرصه على تطبيع العلاقات مع كوبا انذاك في خضم الحرب الباردة مثّل السبب الخفي الذي قد يكون ادى الى اغتياله حسب موقع «ماثر جونز» في تطرقه لاحتمال وجود مؤامرة دبرت لاغتيال كينيدي الذي انهى ازمة نشر الصواريخ الروسية على الأراضي الكوبية بطريقة ديبلوماسية مقابل وعد بعدم غزو واشنطن لكوبا الشيوعية. بعد الحادثة اتهم البعض كينيدي بانعدام المسؤولية، وعندما طوّر العلاقات مع الاتحاد السوفياتي نظر السياسيون اليمينيون إلى ذلك التصرف كنوع من التعاطف مع الشيوعية.

هذا الملف يفتح مرة أخرى بعد خمسين عاما من غلقه. يفتحه الرئيس الأميركي باراك اوباما الذي يبدو انه أكثر جرأة للذهاب الى اعدائه بعد خطوته ازاء ايران حيث أمر حسب تقارير اميركية وتصريحاته الأخيرة بتطبيع العلاقات كاملة مع كوبا التي انقطعت منذ نصف قرن.

عودة العلاقات هي من طرف واحد كما يحللها الاعلام السياسي الأميركي مثل موقع «بوليتيكو» الذي يصف عودة العلاقات بين واشنطن وهافانا بأنها «جاءت في فترة تعاني كوبا أكبر معقل للشيوعية على سواحل البحر الكاريبي الأميركي من ازمة اقتصادية وفساد وهيمنة النظام الشمولي وتراجع دعم الحليف الشيوعي الأميركي اللاتيني فنزويلا».

لكن مؤشرات أخرى ذكرتها «نيويورك تايمز» أن «عودة العلاقات هي نتيجة مباحثات هاتفية سرية حفزتها مبادرة البابا فرانسيس الذي شجع عقد صفقة بين اوباما وراوول كاسترو رئيس كوبا بدأت باتصال هاتفي دام 45 دقيقة على اثره تم الاتفاق على تطبيع العلاقات». وبعودة العلاقات الديبلوماسية بين واشنطن وهافانا تبقى هناك مخاوف تداولتها مواقع اميركية حول قضية التجسس في حال تم رفع الحظر رسميا على السفر من والى كوبا للكوبيين والأميركيين.

العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا بقيت مقطوعة جوا وبحرا وبقي ملف العلاقات مغلقا في اطار خيار واشنطن لسنوات طويلة عزل كوبا اقتصاديا عن العالم حتى تخضع لخيار التفاوض مع ادارة اميركا. لكن حكم كاسترو ظل مقاوما كأبرز رموز معارضي الولايات المتحدة التاريخيين ولم يقدم خطوة او مبادرة نحو اميركا الى ان قام بها اوباما فيما يعتبره الاعلام الأميركي تنازلات قدمتها واشنطن من جهة واحدة لاعادة العلاقات الديبلوماسية والتجارية شيئا فشيئا مع كوبا. لكن ما هي الفائدة المرجوة من هذه الخطوة نحو كوبا التي ظلت اميركا وهي اكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم تنتظر من عائلة كاسترو ان تبادر بها سواء في جيل الآباء ام جيل مستقبل كوبا الذي هو بيد شقيقين عجوزين اليوم.

وذكر موقع «بوليتيكو» أن «المدهش في تغيير اميركا لسياستها ازاء كوبا اتى من جانب واحد تجاه ديكتاتورية كاسترو من دون وعود جادة من قبل الكوبيين لإصلاح النظام الشيوعي الشمولي». واضاف الموقع نفسه أن صفقة تبادل الأسرى قد تكون بادرة جيدة لكن ابعادها غير واضحة المعالم.

وذكر موقع»انترناشيونال بيزنس تايمز»أن»العقوبات المفروضة على كوبا لم تكن ذات تأثير يذكر على هافانا». ولذلك قال الرئيس اوباما»لم ينجح العزل. لقد حان الوقت لاتباع نهج جديد». ويتوقع بعد قرار اوباما أن يزيد حجم التجارة بين الأميركيين والكوبيين ويرفع حظر السفر.

وبعد تحول استراتيجية واشنطن من سلبية الى ايجابية تجاه أبرز اعدائها التاريخيين، فإن معاقل الشيوعية في العالم باتت مهددة على ما يبدو في نظر الروس الذين يعتبرون أن واشنطن تريد احتواء كوبا ثم تنتقل الى فنزويلا لتقطع الطريق امام مساع روسية لتوسيع نفوذها في هذين البلدين الشيوعيين المتاخمين لأميركا.

لكن في حال نجاح أميركا في تطبيع علاقاتها مع هافانا قلعة الأخوين كاسترو الشيوعية، فإن قلاع الشيوعية التاريخية ستتراجع أمام توسع الامبريالية في انحاء كثيرة من العالم، الأمر الذي استنفر على ما يبدو لأجله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باعتبار روسيا السوفياتية الأب الروحي والحامي للفكر الشيوعي الاشتراكي اللينيني في العالم، ودعا حلفاءه الشيوعيين الى لقاء مستعجل، ولعل اهم دعوة كانت في الفترة الأخيرة وجهت لزعيم كوريا الشمالية بمناسبة احتفال روسيا بانتصار الاتحاد السوفياتي على المانيا النازية في الذكرى السبعين للحرب العالمية الثانية في مايو 2015.

الاعلام الأميركي مثل موقع»يو اس اي 24»وصف دعوة بوتين لألد أعداء اميركا زعيم كوريا الشيوعية الجديد بأنها تأتي في وقت تبحث فيه روسيا توطيد تحالفاتها مع الدول الشيوعية. وقد حاولت موسكو سابقا كسب ود الصين الشيوعية في معاداة اميركا وادخالها في حلف روسي عسكري لكنها فشلت. واذا نجحت واشنطن في مغازلة عائلة أكبر كارهي الامبريالية الأميركية فيدال كاسترو، فستبقى كاراكاس العاصمة الفنزويلية يتيمة في القارة الأميركية التي تعادي زحف الانتفاح الأميركي.

وقد اختارت واشنطن الضغط على فنزويلا بالأسلوب نفسه تقريبا الذي تضغط به على روسيا وخصومها بالعقوبات الاقتصادية. حيث وقع الرئيس الأميركي باراك اوباما أخيرا على قانون يقضي بفرض عقوبات اقتصادية تستهدف مسؤولين فنزويليين لايزال بعضهم وفيا لفكر الزعيم الفنزويلي الراحل منظر الشيوعية والاشتراكية الفنزويلية هوغو تشافيز. فهل تستطيع روسيا استمالة كاراكاس في حلفها المناهض لامبريالية الولايات المتحدة ام يستجيب نظام فنزويلا الى ضغوط اميركا ويلين خليفة تشافيز لتطبيع علاقات بلاده مع اميركا الجديدة التي تستهدف فرض هيمنة العم سام في العالم بكل الطرق الممكنة والتقليص من نفوذ الفكر الشيوعي في العالم. ولأجل ذلك بادرت ادارة اوباما بقرار تحسين العلاقات مع كوبا حسب»نيويورك تايمز»الهادف الى تقليص نفوذ روسيا في العالم وخصوصا في الدول الحيوية القريبة من الولايات المتحدة.

وفيما رحبت موسكو بقرار تحسين علاقات واشنطن بجارتها كوبا، اعتبرت مواقع اعلامية روسية رسمية مثل»روسيا اليوم «من خلال بعض المحللين الروس ان»الولايات المتحدة من خلال تحسين العلاقات مع هافانا تحاول بشكل غير مباشر ابعاد كوبا بعيدا عن التحالف التقليدي مع روسيا، كما ان ذوبان الجليد بين واشنطن وهافانا سيستفيد منه بالتأكيد الأخوان كاسترو».

لكن جزءا من الاعلام والرأي العام الأميركي اعتبر ان تطبيع العلاقات مع من يعتبرونهم اعداء اميركا هو قرار غريب. حيث ذكر الكاتب الأميركي جون هاندريكر على مدونته» باورلاين»ان»الرئيس أوباما اختار وقتا غريبا لبدء العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية مع كوبا التي لا شك ستعزز اقتصاد هافانا وبالتالي، في جميع الاحتمالات، سيمكن تطبيع العلاقات من إطالة حكم الأخوين كاسترو وسيكبر احتمال ان يخلفهما جيل آخر من الطغاة الشيوعيين»، مضيفا انه»في السنوات الأخيرة، تحالفت كوبا عسكريا مع معارضي الولايات المتحدة الأميركية مثل فنزويلا، بالطبع، ولكن أيضا روسيا وإيران وكوريا الشمالية».

واذا صدقت ترجيحات الكاتب فيبدو ان واشنطن بتطبيعها للعلاقات مع كوبا تريد قطع الطريق امام نوايا روسية تهدف حسب هاندريكر الى توسيع نفوذها الاستخباراتي والعسكري في هافانا في ظل حربها الباردة ضد اميركا. وذكر الكاتب أن»هافانا استضافت سفينة الاستخبارات الروسية في وقت سابق من هذا العام. ولا يخفى ان الروس استخدموا الأراضي الكوبية منذ فترة طويلة، وتخطط وزارة الدفاع الروسية لتوسيع وجودها العسكري في عدة مناطق رئيسية خارج روسيا في محاولة لزيادة نشر قاذفات الصواريخ طويلة المدى».

وذكر الكاتب ان»ادارة اوباما عبر دعمها لنظام كاسترو فإنها بالتالي ستدعم بشكل غير مباشر حلفاء كوبا مثل فنزويلا وروسيا وايران وكوريا الشمالية».

وتعليقا على مقال الكاتب في مدونته»باور لاين»أتت ردود فعل كثيرة من قراء أميركيين مستنكرة لتطبيع العلاقات الأميركية الكوبية، حيث استنكر نحو 80 في المئة من المعلقين على هذا الخبر قيام واشنطن بالتعاون مع ما يسمونه بعض القراء الأميركيين بعدوة اميركا»كوبا» متهمين ادارة اوباما بالتحالف مع الأعداء وعدم اخذ مصالح الأميركيين في عين الاعتبار.

&