بدرية البشر

عندما حظر أردوغان laquo;تويترraquo; عن 10 ملايين من الشعب التركي، كانت حجته أن laquo;تويترraquo; يروج مقاطع كاذبة عن حادثة تورطه وابنه في قضية فساد ينظرها القضاء التركي، وبغض النظر عن صحة هذه الحادثة، فإن الإقبال على laquo;تويترraquo; زاد بنسبة 138 في المئة عبر منافذ تقنية بديلة استطاعت أن تكسر القرار وتقفز عليه، بل وزادت من غضبتها عليه، والتأكيد أن هناك أمراً ما يزعج أردوغان.

فاز أردوغان في الانتخابات البلدية منذ يومين، بمعنى أن ترويج قصص فساده عبر laquo;تويترraquo; لم تؤثر فيه وفي حزبه، ولم يتدخل laquo;تويترraquo; ولا laquo;يوتيوبraquo; في تدمير شعبيته، لكنها شوشت الناس ولفتت نظر العالم واحتلت أخبار الإعلام الدولي، فهل كان أردوغان مضطراً لحظر laquo;تويترraquo; كي ينتصر لنفسه ويؤكد براءته؟ وهل يحق لحاكم أن ينتصر لشخصه عبر حرمان شريحة من شعبه من وســـيلة تعبير منحها إياهم الفضاء الإلكتروني والتقدم العصري والنمو الحضاري كي يحمي نفسه وسمعته؟ وأين... في بلاد ترفع شعار العلمانية والمؤسسات الديموقراطية ويفوز عبرها رئيس الوزراء بانتخابات شعبية، فماذا بقي لدول مطلقة الحكم؟

من المؤكد أن تعاطي الناس مع وسائل التعبير الحر ليس واحداً، فهناك من يستغل هذه الوسائل للتشويش مثلما يستغلها آخرون للتنوير وتقصي الحقائق، وهناك من يمارس فيها تواصلاً اجتماعياً حكيماً وصافياً، وهناك من يمارس حماقته وأمراضه ومزاجه الشخصي، وحين يميل هذا المزاج إلى ظواهر مرضية - من المرض - فهل يكون الحل في منع هذه الوسيلة التي هي بالنسبة إلى آخرين منفذ للتواصل الاجتماعي والمعرفي والثقافي والترفيهي؟ ومثلما يسيء شخص استخدام مرفق عام مثل حديقة فيستغلها لترويج المخدرات أو ممارسات محظورة، فهل يحق للمسؤول أن يقفل الحديقة ويمنع الناس من التمتع بأشجارها وفيئها ومرحها وملاعبها؟

الناس مع الوقت تكتسب تجربة ومهارة في التعاطي مع الوسائل المتاحة، حتى ولو كانت الرقابة فيها ضعيفة، وبعض الناس المستهلكين لها غامضون أو فاسدون، فهي ستعرف مع الوقت أن ما يروج فيها ليس دائماً صحيحاً، وهذا في ظني مكسب ناضج لمصلحة هذه الوسائل وليس ضدها، فالناس اليوم أصبحوا أكثر حذراً مما يُتَداول، ولم يعد كل ما يسمع وكل ما يشاهد محل تصديق كامل، بل يلزمهم مزيد من البحث والتأني والتوثيق، باستثناء فئات تهجم على كل خبر غير صحيح أو مبالغ فيه، وتدفعه باتجاه تأكيد مزاعمها هي، ولتذهب الحقيقة والمصلحة العامة إلى الجحيم، وفي المقابل تبقى هذه التقنية الجديدة فضاء معرفياً واجتماعياً لا مثيل له، بل هي نافذة الناس على العالم وعلى الأخبار، وعلى الصورة الجميلة والفن، وعلى الابتكارات والثقافة.

الكاتب اليوم الذي يكتب في اليمن أو في لبنان يقرأه قارئ عربي في لندن أو أستراليا ويتواصل معه، والسياسي أو الحقوقي وحتى البسيط يجد له متابعين من الطرف الآخر ولو من باب الفضول والتقصي. الجمهور احتاج إلى أعوام كي ينضج ويمتلك مهارة التواصل والتكيف مع العالم الذي يزداد توسعاً، فأصــبح مـــتأنياً ومتأملاً وقارئاً حذراً وشغوفاً بالمعرفة، لكن الحكومات لا تزال نفسها، بل وتزداد تصلباً، فتخرج كل يوم كي تصف مخالفيها بالإرهابيين على الإطلاق، مع أنها فرصة كي تنضج هي الأخرى، فاليوم لم يعد لها عذر بأن مستشاريها يخدعونها، أو أن بينها وبين الشعب حجاباً، أو أن الإعلام يبالغ ويزيف بحسب مالكيه وصانعيه، وأن ما يتعاطاه الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي - مهما قلنا إنه لا يعكس شرائح كبرى - إلا أنه ربما يكون شرارة تقدح، وربما تصيب هشيماً بالجحيم.