أمجد عرار
الوضع في ليبيا التي باتت مجازاً تسمى دولة، يعاني مشاكل كبيرة وخطيرة، وليس أخطرها انتشار السلاح بكثافة عجيبة بأيدي المليشيات، لدرجة أن تقارير رسمية تتحدّث عن وجود خمسة وعشرين مليون قطعة سلاح، أي خمسة أضعاف عدد السكان من الكبير إلى الصغير إلى quot;المقمّط في السريرquot;.
quot;الربيعquot; الليبي بدأ من بنغازي، وها هو صراخ الشكوى يصدر منها أيضاً . المدينة الشرارة أصبحت مسرحاً لأعمال العنف بشكل شبه يومي، من اغتيال عشرات القضاة ورجال الأمن والعرب والأجانب، والمحظوظ منهم من يمضي بضعة أسابيع مختطفاً ويعود كالعائد من القبر، فضلاً عن تصفية الحسابات الشخصية والقبلية.
عصيان مدني وحراك احتجاجي ينتقل من بنغازي إلى العاصمة طرابلس، والمحتجون يغلقون الطرق الرئيسة والمطار. الجامعات والمدارس وغيرها من المؤسسات العامة تغلق أبوابها . كل ذلك وغيره أكثر وما خفي أعظم يحصل احتجاجاً على انعدام الأمن المجتمعي والفردي والغذائي والمائي والصحي، وانعدام اليقين بغد مقبول، بل وانعدام الإحساس بوجود دولة .
لم يعد أحد يتحدّث عن ليبيا، لأن ما يحصل هو المقصود، تماماً كما حصل في العراق، فالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان جسر العبور إلى الأهداف الاستعمارية . حتى أوساطهم يخرج منها من يتحدث بالحقيقة . ثمة بحث أميركي يخلص إلى أن جزءاً كبيراً من مسؤولية الوضع المزري في ليبيا يقع على عاتق اللاعبين الدوليين، وبخاصة حلف الناتو الذي اكتفى بإسقاط النظام لمصلحة الفوضى، على غرار ما فعل في كوسوفو .
رئيس البرلمان الليبي يشكو من أن البلاد على شفير الإفلاس، إذ إن إغلاق موانئ تصدير النفط المستمر منذ ثمانية شهور كبّد ليبيا خسائر بلغت حتى الآن 18 مليار دولار، وهذا يضع قوت الليبيين في دائرة المجهول .
ليس من مصير أفضل من هذا يمكن أن ينتج عن انهيار المركزية في أي بلد، وأوضح مثال على انهيار المركزية هو ليبيا التي تشكّلت بقبضة مركزية طيلة أربعة عقود، وعندما ضربت هذه المركزية من دون أن يكون بديل مركزي جاهزاً، انهارت الدولة كمؤسسات وجغرافيا ومجتمع . فبرقة التي شكلت حكومة خاصة بها من جانب واحد، تفاوض الحكومة الطرابلسية وكأن دولتين تتفاوضان . وفي هكذا حالة يدفع التيه الناس إلى أي خيار، وربما يدفعهم للهروب إلى الأمام أو البحث في الماضي عن فتات أمل .
إذا لم يكن في كلام وزير الخارجية في الحكومة المنحلة، مغزى سياسي مبرمج وأبعد من لسانه، فإن الحديث عن عودة الملكية تعبير مكثّف عن حالة التيه والضياع وغياب الحلول لحالة فرضت من الخارج الذي أوجد أدوات محلّية حوّلت المخططات القديمة للوطن العربي إلى واقع بثوب كارثة، فيما انخدع البسطاء الذين يبحثون فعلاً عن واقع أفضل، فيه حرية تعبير وتعددية سياسية وتكافؤ فرص وتداول حقيقي للسلطة . هؤلاء البسطاء وقعوا ضحيّة أسوأ إعلام وأشدّه كذباً وتلفيقاً على مر التاريخ، وضحيّة ثلّة من المحللين السياسيين والمثقفين المأجورين الذين شيطنوا كل شيء من دون أن يقدّموا البديل الذي تتوق إليه الشعوب .
تجربة ليبيا نموذج على خواء شعار quot;الإسقاطquot; من أي مضمون طالما لم يتوفّر البديل الأفضل . فليس ثمة من هو أغبى ممن يهدم بيته قبل أن يعد مخطط البيت الجديد.