عبدالله بن بجاد العتيبي
أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كلمة موجهةً للأمتين العربية والإسلامية، جاءت ضافيةً تغطي أحداث المنطقة باختصارٍ محكمٍ وقد كان مقصوداً عدم تسمية أحدٍ في الكلمة، حتى تترك مجالاً لمن يريد مراجعة مواقفه السياسية أو خطابه الإرهابي أو تحالفاته الخاطئة. تحدثت الكلمة عن الأبعاد الدولية والإقليمية والداخلية للبلدان العربية والإسلامية ومنطقة الشرق الأوسط، بوعي كامل بما تتطلبه حقبةٌ عربيةٌ وصفتها الكلمة بأنها «مرحلة تاريخية حرجة» من أصوليةٍ إرهابيةٍ متصاعدةٍ ومحاولات «لاختطاف الإسلام» وكذلك من تيارات الفوضى.
جاءت الكلمة الملكية معبرةً عن موقف سعودي قويٍ وحازمٍ تجاه مجمل ما يجري في المنطقة من صراعات ونزاعات، وما يتداخل معها من اختلال في موازين القوى الدولية والتخاذل الذي تبنته بعض الدول الغربية الحليفة تجاه قضايا المنطقة الملحة كالأزمة السورية، وما جرى في مصر قبل استعادتها من مختطفيها الأصوليين.
&
&
&
تحدثت الكلمة عن الصمت الدولي تجاه ما يجري في المنطقة، وهو امتداد لسياسة السعودية ومواقفها المعلنة في عهد الملك عبدالله تجاه المنظمات الدولية، التي أصبحت عاجزة عن أي حل عادل لكثير من مشكلات وأزمات العالم كمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وهو المجلس الذي رفضت السعودية مقعداً فيه قبل بضعة أشهر، وهو ما أوصل رسالة صريحة للعالم حينذاك مفادها أن السعودية غير راضية عن الطريقة التي تُدار بها هذه المنظمات، وأحقية إعادة النظر في تركيبتها وآليات عملها والرؤية الناظمة لها.
تطرقت الكلمة إلى الحرب الدائرة في غزة وأدانت سفك دماء الفلسطينيين و«مجازر جماعية، لم تستثن أحداً، وجرائم حربٍ ضد الإنسانية»، كما تطرقت إلى ما سمته «اختطاف الإسلام». والملك تحدث كقائد للأمتين العربية والإسلامية وخادم للحرمين الشريفين «من مهبط الوحي ومهد الرسالة المحمدية»، محذراً من الحركات والجماعات التي شوّهت الإسلام في أعين المسلمين وأمام العالم أجمع.
إن حجم البشاعة والإيغال في العنف وابتكار طرائق جديدةٍ وأساليب مقززة في التعامل مع البشر، والتي تنقلها وسائل الإعلام للعالم، قد ألحقت ضرراً خطيراً بالإسلام كدينٍ وبالمسلمين كأمةٍ، فعمليات الإرهاب الديني التي تبنتها هذه الحركات من تنظيم «القاعدة» إلى دولة «داعش»، ومن المليشيات المسلحة في ليبيا ومصر والعراق واليمن جميعها يتداولها العالم على أنها الإسلام والإسلام منها براء، فهذا التوحش غير الإنساني لا ينتمي لدينٍ ولا تقره ملةٌ، ومواجهته وفضحه والقضاء عليه مهمة العرب والمسلمين والعالم بأسره.
التجربة السعودية في الحرب على الإرهاب تجربةٌ رائدةٌ على مستوى العالم، فقد دحرته على مستوى البلاد ولاحقته في المنطقة والعالم، وهي حاصرت أتباعه بالتشريعات ولاحقتهم بالأنظمة، وقدمت عناصره للقضاء، وهي مستمرةٌ في ذلك، ومن هنا فقد جاء التعبير عن الأسف لعدم تفاعل العالم مع فكرة الملك عبدالله التي قدمها قبل سنوات بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، والتي لم يتم تفعيلها بالشكل الصحيح والمرجو عند إطلاقها.
تحدثت الكلمة المختصرة البليغة عن الإرهاب، وحددت له ثلاثة أشكالٍ هي إرهاب الجماعات والمنظمات والدول، وهو تقسيم صحيح، وهي ثلاثة مستويات من الإرهاب تتداخل بين بعضها البعض، إما عن طريق التخطيط الاستراتيجي أو المشاركة في الفعل أو الدعم المادي بالمال والسلاح، أو المعنوي بالإعلام والفتاوى والتحريض.
أولاً: إرهاب الجماعات. وتدخل هنا كل المنظمات الإرهابية وعلى رأسها إرهاب جماعة «الإخوان المسلمين»، التي صنفها أمرٌ ملكيٌ قبل أشهرٍ بأنها إرهابيةٌ وهي مصنفة بالإرهاب في مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، كما تدخل فيه كل الجماعات المشابهة لها من حزبٍ «التحرير» إلى تنظيم «السرورية» إلى حركات الإسلام السياسي بأشكالها وأصنافها المتعددة. وهي جماعات بنت منظوماتٍ أيديولوجية وتنظيماتٍ سريةٍ وعلنيةٍ كلها تصب في صناعة الإرهاب والموت.
ثانياً: إرهاب المنظمات. وتدخل في هذا كل المنظمات الإرهابية وحركات العنف الديني بشقيها السُني والشيعي، كتنظيمات «القاعدة» وتنظيم «داعش» والمليشيات التابعة لجماعة «الإخوان المسلمين» أو المتحالفة معها في مصر وفي ليبيا وفي اليمن، وتشمل شيعياً «حزب الله» اللبناني وكتائب الشيعة العراقيين التي تشارك في قتل الشعب السوري وحركة «الحوثي» المتشيعة في اليمن وغيرها من الفروع.
ثالثاً: إرهاب الدول. وتقف على رأس هذه الدول الراعية للإرهاب السُني والشيعي إيران، والتي يجمعها تاريخ طويل من العلاقة بالإرهاب بنسختيه المذكورتين أعلاه، ذلك أن العلاقات التاريخية التي تربط الأصولية السنية بالأصولية الشيعية تمتد لما يقارب الثمانين عاماً وتحديداً منذ إنشاء جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر نهاية العشرينيات من القرن المنصرم، والتي ترتبط مع بعضها من حيث أصل الفكرة وتبادلت فيما بينها التأثيرات الأيديولوجية وتناصرت على الدوام ولم تزل هذه العلاقة بين الطرفين قائمة وتتعزز.
ولا يقل خطراً عن ذلك علاقة إيران بكل جماعات العنف الديني السُنية والشيعية والدلائل على ذلك كثيرة ومتعددة، وقد سبق التطرق لها أكثر من مرةٍ في هذه المساحة، ولئن كانت علاقاتها بجماعات الإرهاب الشيعي لا تحتاج لدليل، فإن علاقاتها بجماعات الإرهاب السني ظاهرة وموثقة، ويكفي في هذا وحدة الهدف والغاية وهو هنا السعودية ودول الخليج والدول العربية.
وكذلك دولة عربية صغيرة هي قطر لم تزل ترعى الإرهاب والإرهابيين من «القاعدة» وفلولها إلى جماعة «الإخوان» وذيولها، وهي مصرة على ذلك النهج المدمر، وقد تكشفت خططها التي لا يكاد يصدقها مواطن خليجي ضد دول الخليج، وضد الدول العربية وهي تدعم عدم الاستقرار في اليمن والفوضى في ليبيا، وقد آن لها أن تعود لرشدها ولعمقها الخليجي لا أن تختار الابتعاد والعناد.
وقد تطرقت الكلمة لموضوعٍ شديد الأهمية وهو ظهور جيلٍ جديدٍ من الإرهاب الدولي العابر للحدود، والذي هو نتيجةٌ طبيعيةٌ للتخاذل الدولي تجاه قضايا المنطقة المحقة كقضية الشعب السوري، وإن لم يكن نتيجة التخاذل فنتيجة تشوّش الرؤية وضعف القرار وهزالة المواقف السياسية لبعض القوى الدولية، وهي جميعاً لا تؤدي إلا للتعجيل بظهور ذلك الجيل الإرهابي الجديد. أخيراً، فكم كان بليغاً قول الملك عبدالله «نقول لكل الذين تخاذلوا أو يتخاذلون عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد الإرهاب من أجل مصالح وقتية أو مخططات مشبوهةٍ، بأنهم سيكونون أول ضحاياه في الغد، وكأنهم بذلك لم يستفيدوا من تجربة الماضي القريب».
&
التعليقات