فايز الفايز
في مقابلة حبلى بالطرائف عام 2007 سألت وزير الداخلية السعودي الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله عن التنسيق بين عمان والرياض لمواجهة التطرف والإرهاب الذي كان العراق حينها بيئة خصبة و ساحة مفتوحة له ، وعن خطر «الضربات المرتدة» للجماعات المتطرفة ضد دول الجوار العراقي بعدما عجزت القوات الأمريكية عن دحر تنظيم القاعدة هناك أو وقف تدفق عديدهم.
كانت المناسبة مؤتمر وزراء داخلية دول جوار العراق ، لم يكن الجواب صعبا على رجل بحجم الأمير نايف آنذاك ، ولكنه وبإلتفاتة ذكية الى وزير الداخلية الإيراني الذي كان يستمع لنا ، أشار الى مسؤولية «دول الجوار» لوقف دعم طرف ضد آخر في العراق ، و قال إن العلاقات التكاملية بين البلدين ليست وليدة المناسبة ، فالبلدان لهما تاريخ مشترك ومصير واحد ، وينبغي دعم الأردن بقوة كي يبقى خط دفاع قوي كالعادة ، و سنبقى في مواجهة التطرف والإرهاب بأشكاله وسنطور رؤيتنا لما يستجد على الساحة العراقية التي نخشى عليها من الفراغ السياسي والأمني والكلام للأمير الذي أنشأ جامعة الأمير نايف المتخصصة بالعلوم الأمنية.
منذ ذلك التاريخ لم يستطع العراق الرسمي فعليا مواجهة التطرف بل غذاه بفعل الفراغ السياسي والأمني ، كما توقعه الأمير آنذاك ، وإقصاء أهم شرائح المجتمع العراقي وهم أهل السّنة الضلع الثالث في مثلث الحسابات العراقية السياسية ،وأقتصر فتات الكعكعة لأشخاص من المكون السنيّ من محاسيب القادة الذين جاء بهم الحاكم بريمر وخلفائه حتى نوري المالكي.
للأسف ساعدت سياسات المالكي الإقصائية طيلة ثماني سنوات عجاف على إذكاء روح التفرقة بين مجاميع الشعب وتعبئة الجمهور في محافظات الجنوب والوسط ضد دول الجوار العربي والسنة في محافظات الأنبار ونينوى والموصل ، بل وصل الأمر الى محاصرة الرمادي وخصوصا الفلوجة لثلاث سنوات من قبل قوات المالكي وارتكاب جرائم بشعة ضد السكان ، ما عزز دور القاعدة التي خرج من ضلعها الأعوج تنظيم «داعش» الأكثر دموية ، حتى وجد أبناء العشائر السنة فيه رأس حربة يقاتلون فيه قاتليهم وقواتهم ، وإجبار المالكي على الرحيل واختيار العبادي.
لذا كان مهما لقاء الزعيمان الملك عبدالله الثاني مع أخيه خادم الحرمين الشريفين والمسؤولين السعوديين فرصة ثمينة للوقوف على المستجدات الخطرة والتي تحتاج لإعادة إنتاج سياسي وأمني يتدارك الكثير من الأخطار المحدقة ،فالبلدان يتشاركان في كثير من الهواجس والمخاوف و الرؤى حول الأوضاع الملتهبة في محيط الدولتين ،حيث الحدود المشتركة مع العراق الخارج عن السيطرة ، والزحف الإرهابي ليس من داعش فحسب بل من قوى أخرى تقاتل ضد السنة وتتغذى من الخارج علناً و لا تخضع لسلطة بغداد ، فضلا عن الخلايا النائمة التي لا أحد يعرف متى وأين ستنهض ، فيما الحدود الطويلة والمفتوحة بين سوريا والعراق هي نهر جارٍ يمكنه تصدير آلاف مجانين القتل باسم التدين.
والمشكلة أن هناك وسائل إعلام عراقية وغيرها وبعض المرجعيات المتطرفة والشخصيات الإنتهازية لها دور بغيض في تأجيج مشاعر الكراهية في أوساط الشعب العراقي ، فهي تتهم السعودية مثلا بأنها تدعم جهات تقاتل على أرض العراق ، وتتهم الأردن بأنه يحتضن المعارضة السياسية السنية ، فيما يتهم آخرون أن داعش هي «صناعة نجدية» وهذا محض افتراء ، بل أن العاهل السعودي في خطابه الأخير أدان جرائمهم وطالب باجتثاث جذور الإرهاب في المنطقة ، ولعل أهم مركز متخصص في مكافحة الإرهاب قد أنشأته السعودية بتوجيهات من الملك مباشرة ولا يزال يعمل على مكافحة الإرهاب ليس بالمواجهة فقط بل بالعمل على تغيير عقلية الشباب الذين هم حطب لتلك التنظيمات الحارقة.
اليوم بوجود الأمير محمد بن نايف على رأس المؤسسة الأمنية في الشقيقة السعودية أعتقد أن هناك مساحة واسعة للعمل على عقد لقاءات عدة وانتهاج محور دفاع وتعاون مشترك وخلية استشعار لتلافي العديد من الأخطار المتطورة ، فالرجل يعتبر اليوم أهم شخصية عربية من الممكن أن يعيد برمجة ساعة الوضع الأمني والسيطرة على مستقبل الإستقرار الأمني في السعودية و دول الجوار خصوصا عراق ما بعد المالكي ، وإيجاد حل قريب للصراع في سوريا ، وهذه مهمة صعبة للأردن والسعودية ولكنها غير مستحيلة من خلال تعاونهما المشترك ، لا يتردد فيه الطرفان عن ردع الأطراف الإقليمية التي تذكي الصراع الطائفي للحفاظ على رجالها في الحكم ، ودعم الأردن لمساعدته في تطوير قدراته لرصد وحماية الحدود الطويلة مع حواضن الإرهاب الرسمي والتنظيمي المجاور.
التعليقات