سمير عطا الله

ليس في الاحتماليات أن تلتقي صحافيا من بلاد البلطيق. لكن هذا ما حدث. وكان يريد أن يسأل عن مخاوفنا في الشرق، وكنت أريد أن أسأل إن كان في بلاده مخاوف. وقال: بعد أوكرانيا وضم القرم، أجل، أصبحنا نخاف. لدينا مواطنون روس كثيرون ولا نعرف هل، ومتى، يخطر لفلاديمير بوتين أن يعتبر أن كرامة روسيا تقتضي تحريك الروس في ليتوانيا أو إستونيا؟
وقال: تعلمنا في أوروبا ألا نطمئن. أحيانا يظهر رجل ويقلب الأرض من تحتنا والسماء من فوقنا. جاء ميخائيل غورباتشوف فجاءت معه الحريات في جميع أراضي السوفيات. يأتي رجل عظيم ثم يأتي رجل معقّد. عاشت يوغوسلافيا في ظل اشتراكي يدعى تيتو. ثم جاء رجل من الحزب نفسه والنشأة نفسها، سلوبودان ميلوشيفيتش، وخرب العالم على رأسه ورؤوسنا جميعا. رجل أرعن واحد وينتهي كل شيء. حاول تيتو إلغاء القوميات، فجاء شيوعي لا يؤمن بها لكي يعيدها من جديد. مات ميلوشيفيتش بعد أن مزق يوغوسلافيا، وأعلّ صربيا، وحول بلغراد إلى عاصمة منسية على الهامش.


وقال: الشيوعي ميلوشيفيتش صار القومي الصربي سلوبودان. والشيوعي بوتين صار القومي الروسي فلاديمير. والألمان الذين ساروا وراء بسمارك، ساروا وراء النمساوي هتلر. يأتي رجل محل رجل فيحدث اختلال مريع. ولذلك، نحن في بلاد البلطيق نخاف. ما حدث في أوكرانيا قد يحدث في مكان آخر. في إمكان الذئب دائما أن يتهم الحمل بأنه عكّر عليه مياه النبع. بوتين يحكي لغة من الماضي. يعقد مؤتمرات صحافية تدوم 4 ساعات مثل خطب الزعماء السوفيات. ويخاطب دائما عدوا لا وجود له. لقد تحدث عن النمو الاقتصادي في روسيا فيما الروبل يهترئ في الأسواق. هذا ليس خطاب دولة ديمقراطية تشكل جزءا من الاقتصاد العالمي، بل هو خطاب ضابط الـ«كي جي بي» في برلين الشرقية الذي يطلب من الناس أن تسمع كلمته وليس أن ترى حقيقتها.


قال أيضا: نحن في بلاد البلطيق نعيش تجربة مرحلية حائرة. لقد كنّا أكثر فقرا وأكثر اطمئنانا أيام السوفيات. اليوم نحن أكثر غنى وأكثر بطالة. الآن عندنا حريات، وليس عندنا ضمانات. وجيل أبي وأمي يشعر بحنين إلى الماضي رغم كل شيء. وأنا لا أجادلهم في ذلك احتراما لمشاعرهم. نحن حائرون وخائفون. هذه طبيعة الدول الصغيرة في المراحل الانتقالية، الخوف من الأمام المجهول والخوف من الماضي المكبّل. نخاف إذا نجحت روسيا من غزوها، ونخاف إذا تراجعت من انتقامها. والبديل طبعا ليس أميركا ولا أوروبا. الساعد الضعيف لا ينتشل غريقا، كما يقول المثل في إستونيا. معلقون في الانتظار. تتغير الدنيا أحيانا إذا حل رجل محل رجل. قال.