الياس حرفوش

كعادتهم في ارتكاب المفاجآت عند الإعلان عن الفائز، لفت المسؤولون عن جائزة نوبل للسلام انتباهنا الى تونس، في وقت كانت أنظارنا تتجه صوب سورية والعراق وليبيا واليمن، وأوباما وبوتين، والخراب الذي يعمّ ويتّسع في أرجاء منطقتنا.

&

وكأن أهل نوبل، الذين يعيشون في اسكندنافيا، متنقّلين بين أوسلو واستوكهولم، أرادوا أن يذكرونا بأن هناك خياراً آخر لدولنا وشعوبنا، يختلف عن القتل والدمار والخراب، التي أصبحت العنوان اليومي لأخبارنا وتعليقات كتابنا. هذا الخيار الآخر هو خيار السلام والحوار وقبول الآخر، والذهاب الى الوحدة الوطنية كبديل من الغرق في الحروب الأهلية.

&

بهذا المعنى يمكن القول أن فوز جماعات المجتمع المدني في تونس، التي تضم نقابات العمال والصناعيين والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان، بجائزة نوبل للسلام، هو احتفاء بما كان يمكن أن ينجبه الربيع العربي، وما كنّا جميعاً نأمله منه، من انتقال بدولنا وأنظمتنا الى عصر الحداثة، حيث يتعايش الناس مع بعضهم، على اختلاف سياساتهم وأعراقهم وأديانهم، من دون أن يتقاتلوا أو يتناهشوا، وحيث لا يعتبر الحاكم أن فرصته الوحيدة للبقاء في الحكم هي في ارتكاب المجازر بحق شعبه.

&

تكريم أهل نوبل لتونس هو تكريم لهذه الأفكار، التي تمكنت تونس، حتى الآن، من أن تحققها بدرجة أو أخرى من النجاح. إنه تكريم لانتصار غالبية الشعب التونسي على الانقسامات السياسية والصراعات الحزبية، وتقدير لتغلّب الأنانيات الفردية على المصلحة الوطنية. هكذا أتيح لتونس قبل عامين أن تنجو من المصير الذي انزلقت إليه دول أخرى، مثل مصر وسورية وليبيا واليمن، وذلك بفضل وعي كل الأطراف، من حزب «النهضة» الى معارضيه «العلمانيين»، أن كلفة الأخطار التي تهدد تونس هي أكبر بكثير من حجم التنازلات الضرورية لتحقيق التوافق.

&

وإذا كان حزب «النهضة» وزعيمه راشد الغنوشي يستحقان الإشادة، فلأنهما، وعلى عكس ما فعل «إخوان» مصر، وافقا على التنحّي عن الحكم، ولم يتشبّث الحزب بالكرسي على رغم فوزه في انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) 2011، وهو ما أتاح مخرجاً من طريق حكومة تكنوقراط انتقالية مهّدت لشراكة في السلطة ولحوار بين «النهضة» وحزب «نداء تونس» بقيادة الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي.

&

لم يكن ممكناً للمنظمات الأربع التي فازت بجائزة نوبل للسلام، أن تحقق أي اختراق في الأزمة التونسية لولا تعقّل كل الفرقاء ووضعهم مصلحة بلدهم فوق الاعتبارات الأخرى. وربما لو كان متاحاً للمسؤولين عن الجائزة أن يكرموا بلداً لكانت تونس هي الأحقّ بالتكريم، لأنها الاستثناء في مسيرة الربيع العربي التي أجهضت في مهدها، لأسباب كثيرة، أحدها وأهمها تفوّق ثقافة الإلغاء والإقصاء في الدول التي تعثرت فيها هذه المسيرة على ثقافة تغليب الحوار واحترام الآخر والقبول بمشاركته في عملية البناء الوطني.

&

بدأت تباشير الربيع العربي من ثورة الياسمين في تونس وتوقفت عندها. غير أن تونس لم تتعافَ، على رغم الإيجابيات، من حل مشكلة التزاوج بين النظام المدني والحل الإسلامي، وهي المشكلة التي ما زالت تواجه معظم المجتمعات العربية. صحيح أن هناك في تونس، الى حد ما، ثقافة مدنية راسخة، إلا أن تونس تصدّر أكبر عدد من المنضمّين الى صفوف «داعش» (3 آلاف كما تشير المعلومات). كما أن الهجومين الإرهابيين هذا العام على متحف باردو في العاصمة وعلى فندق «إمبريال مرحبا» في سوسة، اللذين أعلن «داعش» المسؤولية عنهما، ما زالا في الأذهان. وهو ما يدفع الى التمنّي أن لا يكون تكريم جائزة نوبل لنجاح تونس في الانتقال الديموقراطي مجرد أمل، يمكن أن يخيّبه الواقع.
&