رائد الحامد

&فجرت قضية التمديد لرئيس الإقليم مسعود بارزاني موجة جديدة من الخلافات الحادة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، وشكلت التظاهرات التي شهدتها محافظة السليمانية مؤخرا علامة فارقة في العلاقة بين الحزبين الموصوفة تاريخيا بالمتوترة.
منذ تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني اقترب كثيرا من مراعاة الشعور القومي الكردي، فيما اتجه الاتحاد الوطني الكردستاني نحو تبني الفكرة الماركسية السائدة حينذاك، إذ طغت النزعة الاشتراكية حتى انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه نهاية ثمانينيات القرن الماضي. ويؤمن الاتحاد الوطني بحق تقرير المصير ونادى به منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي في الوقت الذي اكتفى الحزب الديمقراطي الكردستاني بالمطالبة بحكم ذاتي، أو حكم ذاتي موسع ضمن الدولة العراقية.
وعلى مدى فترة نشوء هذين الحزبين كانت هناك ثمة عوامل تساعد على تفجر الصراع بينهما، ولم تقتصر على العوامل السياسية أو الاقتصادية بل تعدتها إلى عوامل ايديولوجية على صلة بالخلافات العميقة بين اتباع الطريقتين الصوفيتين الأكثر انتشارا في إقليم كردستان، حيث يتبع الاتحاد الوطني الكردستاني الطريقة القادرية، فيما يتبع الحزب الديمقراطي الكردستاني الطريقة النقشبندية. ويميل الاتحاد الوطني في علاقاته أكثر باتجاه إيران التي يشترك معها بجوار جغرافي، فيما يميل نظيره نحو تركيا مع الحفاظ على علاقات جيدة مع ايران.


اما بعد الغزو العراقي لدولة الكويت في العام 1990 والتدخل الغربي لاخراج الجيش العراقي من الكويت، وما تبع ذلك من حالة فوضى رافقت انسحابه أوائل اذار/مارس 1991، فقدت حكومة بغداد الكثير من سلطتها على المحافظات الكردية الثلاث، أربيل السليمانية دهوك، ومع توافر ظروف محلية وإقليمية ودولية، أقرّ البرلمان الكردي النظام الفيدرالي في العام 1992 مؤجلا بذلك الخلافات بين الحزبين ذات الطابع الايديولوجي، أو المتعلقة بالحوكمة.
غير ان الجذور الكامنة للصراع بين الحزبين ظلت متحفزة بانتظار لحظة الانفجار، وهو ما حدث فعلا في العام 1994 حيث تصاعدت حدة الخلافات التي تطورت إلى صراع دموي بين الحزبين استمر لأربع سنوات راح ضحيته عشرات آلاف من القتلى، ما أثار حفيظة المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة التي وجدت فيه صراعا لا يخدم مصالحها بعيدة المدى في العراق والمنطقة، وبحكم ما تمتلكه من نفوذ على الحزبين، رعت وزيرة خارجية الولايات المتحدة، آنذاك، مادلين اولبرايت اتفاقية سلام أعلنت نهاية الصراع الدامي من خلال مؤتمر عقد في واشنطن في العام 1998.


لكن غزو العراق في العام 2003 واحتلاله، شكل بداية مرحلة تاريخية في العلاقات بين الحزبين اتسمت بتشكيل إدارة موحدة على أسس المحاصصة الحزبية نتج عنها انتخاب مسعود بارزاني رئيسا لإقليم كردستان، فيما كانت حصة الاتحاد الوطني الكردستاني رئاسة جمهورية العراق بموجب المحاصصة الطائفية والقومية التي اقرها دستور العراق في العام 2005.
وبموجب اتفاقيات بين الحزبين تم التوافق على منح مسعود بارزاني منصب رئيس إقليم كردستان في العام 2005، مع احتفاظ حزبه برئاسة الحكومة، على ان تكون رئاسة البرلمان من حصة الاتحاد الوطني الذي شغل زعيمه جلال طالباني منصب رئيس العراق، وتم التجديد لبارزاني لدورة ثانية انتهت في 21 أيلول/ سبتمبر 2013؛ ومع مطالبته بالتمديد للمرة الثالثة خلافا للاتفاقات المعقودة بين الحزبين، تفجرت أزمة جديدة انتهت بتمديد عمل البرلمان لمدة عامين تنتهي في العام 2015، ومعها رئاسة الإقليم.
قد يكون العام 2007 أكثر الأعوام توافقا بين الحزبين حيث تمكنا من عقد اتفاق استراتيجي في 27 تموز/يوليو يتم بموجبه الدخول في الانتخابات التشريعية بقائمة موحدة، يتناوبان على شغل منصب رئاسة الإقليم وحكومته كل عامين وكذلك على رئاسة العراق.


لكن الحدث الأبرز كان في انشقاق الاتحاد الوطني الكردستاني عام 2009 بقيادة نيشروان مصطفى الذي شكل حركة التغيير، ما أضعف من قوة ونفوذ الحزب الام في مواجهة الحزب الديمقراطي الذي أراد استغلال هذا الضعف باتجاه تعزيز مواقع نفوذه والهيمنة على المزيد من مفاصل الإقليم السياسية والأمنية والاقتصادية، في مقابل حالة تململ في قواعد الاتحاد الوطني ضد الحزب الديمقراطي.
أما بعد ان فرض تنظيم الدولة سيطرته على محافظة نينوى المجاورة لحدود الإقليم منتصف حزيران/يونيو 2014، شعر الحزبان بتهديد جدي على أمن واستقرار الإقليم، وعلى محافظة كركوك النفطية.
يمكن القول ان تهديد تنظيم الدولة لأمن الإقليم فرض على الحزبين وقف صراعاتهما التاريخية التي تتخذ أشكالا شتى في كل مرحلة من مراحلها، أو على الأقل تأجيل تلك الخلافات. لكن دخول إقليم كردستان في عمق الحرب على تنظيم الدولة بشكل مباشر في إطار التحالف الدولي ولد الكثير من الأزمات الداخلية المتعلقة بإدارة الموارد، والأمن الداخلي، وما يتعلق بالأراضي المتنازع على عائديتها مع العرب، إضافة إلى موضوع التسليح الدولي لقوات البيشمركة الكردية التي يستاثر بها الحزب الديمقراطي، الأمر الذي دفع بالاتحاد الوطني لطلب مساعدات إيرانية للحد من الخلل في ميزان القوة العسكرية بين الحزبين لصالح الحزب الديمقراطي الذي يسعى لتوسيع نفوذه في محافظة كركوك التي تخضع لنفوذ الاتحاد الوطني بشكل لافت.
ويحاول الحزبان الكرديان استثمار التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، والتحالف الرباعي الجدي بقيادة روسيا، بمسارات عدة تتراوح بين اللجوء إلى الطرق الرسمية من خلال حكومتي المركز والإقليم، وهو ما يعمل عليه الحزب الديمقراطي، أو من خلال كسب الدعم الروسي عبر الحليف الإيراني، وهو ما يعمل عليه الاتحاد الوطني.
ومع تشكيل التحالف الرباعي ضد تنظيم الدولة، وتنامي رؤية عربية وخليجية تنظر بريبة لهذا التحالف، لم تنخرط حكومة إقليم كردستان في التنسيق مع الحلف الرباعي على أمل الحصول على دعم خليجي مباشر قد تلعب تركيا دور الوسيط في الحصول على تلك المساعدات إذ تحتفظ بعلاقات متميزة مع الطرفين.


ومع تطور الخلافات بين الحزبين، بات اختلاف الرؤية بينهما حول المواجهة مع تنظيم الدولة أامرا يلقي بظلاله على المزيد من توتر العلاقات بينهما؛ ففي الوقت الذي يرى في الحزب الديمقراطي عدم التعاون مع الحشد الشعبي لحسابات تتعلق بمستقبل الأراضي المتنازع عليها، ورفض العرب السنة لتواجد الحشد الشعبي في نينوى، يبذل الاتحاد الوطني جهودا كبيرة في تعزيز علاقاته مع الحشد الشعبي المدعوم إيرانيا، كما حدث في معارك جلولاء والسعدية بمشاركة إيرانية مباشرة.
ومع بعض الأوراق التي يمتلكها تنظيم الدولة، منها ورقة الأسرى الأكراد لديه، وانكفاء التنظيم إلى حدود الأراضي المتنازع عليها، واستقرار خطوط التماس بينهما إلى حد ما، تسود العلاقة بين تنظيم الدولة والحزب الديمقراطي حالة من الترقب خشية قيام هذا الطرف أو ذاك بشن هجوم واسع ومباغت يعيد توازن القوى ويرسم حدود تماس جديدة وتغييرات في التكتيكات المتبعة، حيث يتمترس تنظيم الدولة وراء خطوط دفاعية ويكتفي بالقصف المدفعي أو الاشتباك من مسافات بعيدة مع استمرار لغة التهديد والتلويح بالقوة ضد حدود إقليم كردستان الذي يسعى في الدرجة الأولى للحفاظ على أمنه الداخلي وتجنب احتمالات نشوب حرب أهلية كردية كردية تعيد إلى الاذهان حقبة منتصف التسعينيات، مع احتمالات استثمارها من قبل تنظيم الدولة لهجوم موسع على مدن الإقليم.