زحمة الوفود التي تتقاطر إلى قصر الشعب في دمشق لا يمكن أن تحجب السؤال الصعب: أي سورية ستطل على السوريين.. والعالم؟

فالإنجاز التاريخي الذي حققته فوهات البنادق بإسقاط الحكم الأسدي في الثامن من ديسمبر يحتاج إلى أن يُستكمل بنضال ديمقراطي وطني حقيقي لإعادة بناء سوريا الوطن الجامع بعد عقود من حكم الاستبداد الفردي.

حتى الآن، يمضي أحمد الشرع، الرجل الذي خطف أنظار العالم كل العالم، بثبات. ينتقي عباراته بدقة، مصوبًا على الغد الذي يطمئن الجميع. ويجول بين مفردات الألغام السياسية بحنكة لافتة. وتبقى الوعود مدادًا إلى أن تتحول إلى فياصل في ميادين التنفيذ.

في خطوة متقدمة قد تحتاج إلى فسحة من الزمن للحكم على نجاحها، أُعلن أمس عن اتفاق بين قائد الإدارة السياسية والعسكرية أحمد الشرع وقادة الفصائل يقضي بحل جميع الفصائل ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع في الجيش السوري الجديد. ما يعني بشكل أو بآخر تكرار تجربة قيام مقاتلي الحشد الشعبي العراقي بدور الجيش النظامي، مع فارق اختلاف الأجندات وربما تناقضها بين الفصائل في البلدين اللذين استظلا يومًا بمظلة واحدة هي حزب البعث.

في تقديري، ظروف إنشاء الحشد الشعبي بعد سيطرة تنظيم داعش على ثلث الأراضي العراقية عام 2014 تختلف شكلًا ومضمونًا عن ظروف انضواء الفصائل السورية تحت مظلة الجيش. لكن في كل الحالات، فإن "العقيدة العسكرية" واحدة لا تتجزأ، وهي عماد أي مؤسسة عسكرية تحمي الأوطان. من هنا، جدير بالتوقف أمام المآخذ السياسية والمدنية على تجربة الحشد الشعبي في العراق، ومن الأهمية أيضًا ألا تتضارب العقيدة العسكرية للجيش العربي السوري بـ"العقائد المتنوعة" للفصائل السورية.

وعرضًا هنا، يمكن للذاكرة أن تُحيي ما طُرح أخيرًا في لبنان عن إمكانية دمج مقاتلي حزب الله في المؤسسة العسكرية، أسوة بما حدث ويحدث في العراق وسوريا. فإذا كانت وحدة الساحات قد تبعثرت، فإن "الحلول الموحدة" قد تكون، حسب وجهة نظر البعض، مخرجًا لمقاتلي حزب الله اللبناني، وهو ما يحتاج إلى بيئة سياسية مواتية في بلد تحكمه طبقة سياسية تعتاش على مبدأ "خذ وهات"، سيما أن لبنان على موعد مع استحقاقات مصيرية تتعلق بالرئاستين الأولى والثالثة.

يدرك السيد الجديد لقصر الشعب في دمشق أي إرث تركه النظام البائد. المؤسسات في حالة انهيار، ملايين السوريين جمعهم مصير النزوح، وما تبقى في الداخل فرقتهم العصبيات العرقية والطائفية. وفوق هذا وذاك، القوات الإسرائيلية تتوغل جنوبًا بحجة أمن الدولة العبرية، والتركية تبسط نفوذها شمالًا بدعوى محاربة "الإرهاب الكردي". فيما المحيط والعالم يترقب بوصلة الماكينة الداعشية الجاهزة للانقضاض على أي تسويات خارج صندوق الرضى الإقليمي والدولي.

بعد إسقاط الحكم الأسدي، يبدو سيد القصر عازمًا على إكمال الشق الأهم وربما الأصعب من المهمة، ألا وهو بناء الدولة الجامعة. الآمال كبيرة، وكذلك التحديات.. والميدان وحده يملك مفاتيح الغد.