في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، اعتمدت الأمم المتحدة القرار رقم 181 المعروف باسم قرار التقسيم، الذي يقضي بتقسيم فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني إلى دولتين، عربية ويهودية. يحصل الفلسطينيون بموجب القرار على 11,000 كيلومتر مربع من مساحة فلسطين البالغة 22,000 كيلومتر مربع، ما يمثل 43.3 بالمئة منها، بينما يحصل اليهود على 15,000 كيلومتر مربع، ما يمثل النسبة الباقية.

في 14 أيار (مايو) 1948، أعلن ديفيد بن غوريون، رئيس الوكالة اليهودية، قيام دولة إسرائيل، واعترف الرئيس الأميركي هاري ترومان بالدولة الجديدة في نفس اليوم.

عارض العرب هذا القرار بشدة عبر القمم العربية المتلاحقة، من الخرطوم إلى الدار البيضاء وفاس والرباط والقاهرة وغيرها من العواصم. وانقسم العرب إلى رافضين قرار التقسيم جملة وتفصيلاً، معتبرين أن إسرائيل يجب أن تُرمى في البحر، والبعض الآخر، وهم القلة، تبنوا رأياً مفاده: "خذ الآن وطالب بالباقي لاحقاً".

فوّت العرب هذه الفرصة، وقامت حرب 1948 وحرب 1967 وحرب 1973. وكانت المحصلة أنَّ إسرائيل ضمت معظم مساحة فلسطين، ولم يبقَ إلا الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الوصاية الأردنية والمصرية. انطلقت مشاريع المفاوضات والبحث عن السلام مع إسرائيل كمن يبحث عن دبوس في بحرٍ لُجي، وضاعت الفرص الواحدة تلو الأخرى.

جاءت اتفاقيات أوسلو ومدريد لتُشرعن الاحتلال الإسرائيلي دون إعطاء الفلسطينيين شبراً من الأرض! ثم جاء حل الدولتين الذي قدمه العرب في قمة بيروت عام 2002 على حدود 1967، مطالباً بدولة فلسطينية على مساحة 22 بالمئة من أرض فلسطين، بينما تبقى 78 بالمئة لإسرائيل.

والسؤال: طالما أنَّ المطالبة بعد 70 سنة بـ22 بالمئة من مساحة فلسطين، ألم يكن من الأجدى قبول 43 بالمئة حسب قرار التقسيم؟

القرار العربي جاء متأخراً!

وعندما سقط العراق تحت الاحتلال الأميركي في عام 2003، سلمت الولايات المتحدة الأميركية العراق لإيران على طبق من فضة (كما قال الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، رحمه الله)، وتمدد النفوذ الإيراني في العراق، وتوغلت إيران داخل العراق فكراً وثقافة وسياسة حتى سلخته من محيطه العربي، بقي العرب يرقبون المشهد عن بعد.

ومع قدوم حكومة حيدر العبادي عام 2018، بدأت ملامح انفتاح عراقي على محيطه العربي، وبدأت الدول العربية، خاصة دول الجوار، تنفتح على العراق.

والسؤال: أين كان العرب منذ سقوط نظام صدام حسين؟ لماذا تُرك العراق لإيران طيلة السنين الماضية؟

عاد العرب للعراق، لكن القرار العربي جاء متأخراً!

وعندما بدأت إيران في رمي حبائلها في اليمن منذ عهد رئيسه السابق علي عبد الله صالح، عبر استقدام آلاف البعثات العلمية إلى الجامعات الإيرانية، لم يلحظ أحد أن هذه البعثات لم تكن تذهب إلى كليات الطب والهندسة والتكنولوجيا، بل كانت تتجه فقط إلى الحوزات الدينية والكليات والمعاهد الدينية لتدريس المذهب الاثني عشري وتأهيل جيل من الموالين لإيران في اليمن، تمهيداً لما حدث لاحقاً وما نشاهده اليوم.

تنبهت المملكة العربية السعودية مبكراً لهذا المخطط، وتم تشكيل التحالف العربي بقيادة المملكة لإحباط المخطط الإيراني لتفريس اليمن. ومع ذلك، لم يحظَ اليمن بالدعم العربي المأمول لإنقاذه من براثن الانقسام الطائفي والمذهبي الدخيل على اليمن، حيث نجح الحوثيون الموالون لإيران والمتبنون للفكر الفارسي الخارج عن ثوابت وعادات اليمن العربي في جعل اليمن الآن يعيش أكبر مأساة وانقسام في تاريخه الحديث.

والسؤال: أين العرب عن اليمن؟

القرار العربي لا يزال متأخراً!

أما السودان، الذي تعصف به حرب طاحنة أكلت الأخضر واليابس، ودمرت الحجر والمدر، وقتلت الآلاف وشردت الملايين في ظل صمت دولي وعجز أممي عن وقف هذا الاقتتال، يبقى الموقف العربي دون المأمول. ولولا جهود المملكة العربية السعودية ومصر، لكان الوضع أكثر سوءاً مما هو عليه الآن.

إقرأ أيضاً: هل غير الطيران المسيّر مفاهيم الحروب الحديثة؟

ومع ذلك، لم تتحرك الجامعة العربية وفق ميثاقها لوقف النزاع السوداني - السوداني.

والسؤال: لماذا تأخر العرب عن حل الأزمة السودانية؟

وفي ليبيا، تدور حرب أهلية منذ سقوط نظام القذافي دون إحراز أي تقدم لوقف الاقتتال وتشكيل حكومة تمثل الشعب الليبي كاملاً. وأصبح التدخل الدولي والاستقطاب الخارجي سيد الموقف في ظل جهود عربية محدودة لم تصل إلى إجماع عربي وتدخل ينهي الاقتتال الداخلي ويوحد الليبيين تحت حكومة تمثلهم جميعاً.

والسؤال: لماذا تأخر العرب عن ليبيا؟

وأخيراً، الأزمة السورية التي بدأت عام 2011 كثورة شعبية سورية سورية، تم إحباطها بالتدخل الروسي والإيراني والميليشياوي. أدى ذلك إلى تشظي المعارضة وتقسيمها وشرذمتها واستقطابها من دول ومصالح دولية، وتحولها إلى فصائل عسكرية متعددة الأهداف والإيديولوجيا. دخول عناصر من خارج سوريا لهذه الفصائل طرح علامات استفهام حول سوريا، والمعارضة التي بقيت 14 سنة تسيطر على معظم الأراضي السورية وتعتمد على الدعم الخارجي مالياً وعسكرياً، مما صعب على الدولة السورية إعادة بسط سيطرتها على كامل الأرض السورية، حتى بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

إقرأ أيضاً: مجموعة بريكس بين تحديات الماضي وأزمات المستقبل

في محاولة عربية لإعادة تأهيل نظام الأسد كخيار مطروح من الباب الإنساني لخدمة الشعب السوري المكلوم، طُرح خيار التفاهم مع الشعب السوري وعودة المهاجرين لوطنهم عبر مصالحة شاملة تفرز حكومة إنقاذ وطني وفق دستور جديد يخدم سوريا الموحدة. لكن يبدو أن بشار الأسد لم يستمع للناصحين من حلفائه وجيرانه من العرب وغير العرب. إلا أن هذه النصائح لم تجد أذناً صاغية، مما عجَّل بإسقاطه عبر الفصائل العسكرية المدعومة من تركيا، وهذا واضح من الخطاب التركي الذي يعلن دعمه ومسؤوليته عما يحدث في سوريا وكأن ما يحدث مجرد خروج العمامة وعودة الطربوش.

والسؤال: أين كان العرب منذ عام 2011؟ لماذا لم تستطع الجامعة العربية بلورة حل للأزمة السورية؟

ما هو دور الجامعة العربية وميثاقها إذا لم يتبلور حل للأزمات العربية؟

إقرأ أيضاً: السعودية في ذكرى البيعة العاشرة

هل لا تزال هذه الجامعة منصة قادرة على القيام بواجبها؟ ألم تدعُ المملكة العربية السعودية في خطاب الملك سلمان في قمة البحر الميت إلى ضرورة إصلاح الجامعة العربية وتفعيل ميثاقها؟

هل تجمدت الجامعة العربية في شارع الجامعة العربية في القاهرة؟

هل آن الأوان لتداول رئاسة الجامعة العربية أسوة بمجلس التعاون الخليجي؟

هل آن الأوان للخروج من نظام الإجماع إلى الأغلبية لاعتماد القرارات؟

لحين إصلاح الجامعة العربية، سيبقى السؤال المطروح: لماذا يتأخر العرب؟