ونحن نستذكر ذكرى البيعة العاشرة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله وأمد في عمره وما تحقق فيها من إنجازات على مختلف الأصعدة، لا بد من استذكار سلمان بن عبد العزيز أمير الرياض، في 50 سنة نقل الرياض خلالها من عاصمة لا تتعدى مساحتها بضعة كيلومترات إلى عاصمة تفوق مساحتها مساحة دولة، وأصبحت تضاهي العواصم العالمية.

لقد منح الله الملك سلمان حفظه الله منحاً عظيمة جعلت منه رجل دولة متفرداً في حكمته وحنكته وخبرته، فقد تتلمذ في سبع جامعات عالمية نهل منها علوم السياسة والإدارة والإتصال والثقافة والعلم والمعرفة، فأولى هذه الجامعات كانت مدرسة المؤسس الذي تعلم فيها بوادر العلم والمعرفة والحكمة والحنكة السياسية، ثم عمل مع أخوانه البررة سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله مستشاراً ومعيناً، حيث كان كل هؤلاء الملوك جامعات نهل منها الملك سلمان وبنى ثقافة ورصيداً معرفياً جعل منه حفظه الله مكتبة متنقلة، فهو القارئ النهم وهو النسابة والمؤرخ المعروف والمثقف وصديق الإعلاميين ورائد العمل الخيري الإنساني منذ كان رئيس اللجان الشعبية لإغاثة الشعب الفلسطيني والشعب البوسني، ومثّل بلاده في المحافل الدولية، وقدم عاصمته الرياض لمثيلاتها في العالم في لندن وواشنطن ونيودلهي وباريس وموسكو وبكين والقاهرة حيث كان يلتقي بعمد هذه العواصم وينقل لهم أين وصلت الرياض ويستفيد من خبرات هذه العواصم، مما انعكس على العاصمة الرياض التي أصبحت أيقونة في العصر الحديث.

وعندما تولى رعاه الله المسؤولية بعد شقيقه الملك عبد الله رحمه الله، كانت المرحلة والظروف الجيوسياسية والجيوستراتيجية تفرض تبني خطة عمل جديدة بفريق عمل جديد يجيد التعاطي مع مخرجات العصر، كيف لا وهو رجل الإدارة الأول الذي يجيد اختيار فريق عمله كأول خطوة من خطوات النجاح والإنجاز، فكان اختيار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء نقطة تحول في مسيرة السعودية الجديدة، حينما صدر الأمر الملكي الكريم باعتماد "رؤية المملكة 2030" كخطة عمل على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي والأمني والمعرفي والسياحي ومختلف المجالات، حيث صاحب هذه الرؤية حزم متعددة من الأنظمة والتشريعات وإعادة الهيكلة في جميع قطاعات الدولة، مع إعلان الحرب الشعواء على الفساد والمفسدين لتنطلق المملكة العربية السعودية الجديدة كقطب عربي إسلامي يتربع على القمة في قمة العشرين الكبار الأقوى اقتصاداً في العالم، وينطلق الصندوق السيادي السعودي ليكون من أكبر الصناديق السيادية في العالم ومثله صندوق الاستثمارات العامة نحو بناء اقتصاد متنوع ومتعدد بعيداً عن النفط، الذي احتكر الناتج المحلي السعودي لعقود طويلة، وليصبح في عهد الرؤية المركز الثاني أو الثالث في الناتج المحلي بعد أن دخلت قطاعات أخرى منتجة مثل المدن الاقتصادية في نيوم وذا لاين وساحل البحر الأحمر والقدية، وتدخل الآثار والمناطق السياحية كمصدر من مصادر الدخل الهامة والتي استقبلت ما يزيد عن 100 مليون سائح من مختلف البلدان، ولتنجح المملكة بتوجيهات القيادة في إدارة ملف الطاقة في ظل ما يعصف بالعالم من حروب وأزمات، وتنجح الدبلوماسية السعودية في إقناع العالم بعدالة القضية الفلسطينية وضرورة حل الدولتين مع إدارة التوازنات الدولية بين الشرق والغرب بنجاح منقطع النظير، وتحقق المملكة المراكز الأولى في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وجودة الحياة من خلال مشاريع جبارة في مجال السياحة والرياضة والترفية وتحظى بثقة العالم لتنظيم أكسبو 2030 واستضافة كأس العالم 2034، إلى غير ذلك من الفعاليات والأنشطة التي لا تتوقف، مما أكسب المملكة هذه المكانة العالمية وجعلها محط أنظار الساسة والإقتصاديين حول العالم لما قدمت من نماذج ناجحة على مختلف الأصعدة.

إنَّ الحديث عن منجزات ملك الإنسانية الملك سلمان بن عبد العزيز لا يمكن إختزاله في أسطر قليلة، فهو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله.

حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وأعاد علينا هذه الذكرى أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ليحقق الآمال والأحلام.