من بين كل المسلسلات الدرامية التي تابعتها في السنوات الأخيرة، لم يشد انتباهي سوى مسلسل مصري - سوري مشترك عُرض عام 2008، وهو المسلسل البديع "ظل المحارب"، من تأليف الكاتب الكبير بشير الديك وإخراج نادر جلال، وبطولة هشام سليم، وباسم ياخور، وعلا غانم. تدور الأحداث في دولة يسميها الكاتب "كربستان"، الغنية بالنفط، والتي يحكمها نظام دكتاتوري قمعي يضيّق على الحريات العامة والخاصة، بينما البلد مستباح من قبل الدول الكبرى التي تسيطر على موارده وخيراته، فيصبح الوطن عرضة للإرهاب والدمار.

الرائع في المسلسل هو تسمية هذه الدولة بـ"كربستان"، في إشارة واضحة إلى الكرب والبلاء الذي حل بها جراء حكم الدكتاتورية والطغيان. وأروع ما في المسلسل هو نهايته، حيث تنجح الثورة ويسقط النظام، ولكن سرعان ما يعود البلد إلى المربع الأول، حيث تعود الدكتاتورية مرة أخرى لحكم البلاد، وهذه المرة على يد الثوريين الذين انقلبوا على النظام السابق تحت شعار تحقيق العدالة والسعادة والأمن والاستقرار للوطن.

هذا المسلسل بأحداثه يعكس واقع حال معظم الدول العربية المبتلية بالأنظمة الدكتاتورية، لعل أبرزها ما شهدناه من ثورات الربيع العربي، وقبلها سقوط النظام الدكتاتوري الصدامي في العراق، حيث تبدّل الدكتاتور الأوحد بعدد آخر من الدكتاتوريين، وتحول البلد من الدكتاتورية العائلية إلى الدكتاتورية الطائفية. وما زال العراقيون يئنون من تبعات سقوط صنم بغداد، ولم تكن سوريا بعيدة عن هذا النموذج من الحكم الدكتاتوري العائلي.

لا أتمنى لسوريا الشقيقة أن تنتهي ثورتها التحررية الرائعة لإسقاط نظام الأسد الملعون إلى ما يشبه خاتمة ذلك المسلسل الرائع. بل أتمنى، وأمني النفس، بأن يقتدي قائد الثورة التحررية أحمد الشرع، المعروف بأبي محمد الجولاني، بأحد أعظم القادة العسكريين في التاريخ العربي الحديث، وهو المشير عبد الرحمن سوار الذهب، قائد الثورة على النظام الدكتاتوري في السودان، وأن يعيد تلك التجربة الفريدة في تاريخ العرب حين تنازل المشير طوعاً عن الحكم لسلطة مدنية منتخبة من قبل الشعب السوداني.

وحينها، يمكن أن تتحول التجربتان إلى نموذج يُقتدى به من قِبل كل القادة المعارضين للسلطات الغاشمة في الدول المحكومة بالدكتاتوريات.

إن ما يصدر من تصريحات وتطمينات من الجولاني، سواء للقوى المحلية أو الدولية، يجب أن يُترجم إلى الواقع على الأرض. فسوريا الجريحة عانت من الظلم والاستبداد طوال أكثر من نصف قرن، وهي بحاجة ماسة إلى الاستقرار واستعادة حريتها، ونبذ الصراعات الطائفية والحروب التي أكلت الأخضر واليابس في البلاد. وكما قال الجولاني، يكفي ما عانيناه من جرائم النظام السابق، وسنعمل مع جميع دول العالم برؤية جديدة وبالعمل من أجل نهضة سوريا.

إقرأ أيضاً: جدران صيدنايا

وأهم ما سمعته عن هذا القائد الثوري هو طمأنته الشعب الكردي في سوريا بأنهم سيكونون جزءاً من تركيبة السلطة القادمة، وهذا أمر يبشر بالخير على سوريا الموحدة.

بإمكان الشرع أن ينهي مهمته الوطنية النبيلة بإسقاط نظام الاستبداد والدكتاتورية بوضع الأسس الصحيحة لبناء سوريا جديدة عبر سن دستور حضاري يحترم حقوق جميع المواطنين والأقليات، وأن يجري انتخابات برلمانية حقيقية دون أي تدخل منه، وأن يشرك جميع القوى السياسية في حوار وطني من أجل بناء دولة القانون والسيادة.

إقرأ أيضاً: إسرائيل والمقاومة

وعليه أن يحذر كل الحذر من تسليم مقدرات بلده إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فلا فرق بين هذا الأخير وبين المرشد الإيراني في سعيه لفرض الهيمنة التركية على المنطقة. كما يجب أن لا ينجر نحو فرض سلطة إخوانية أو إسلامية، سواء متطرفة أو معتدلة، لأن في ذلك عودة إلى الخراب والدمار الذي لا تحتمله سوريا مرة أخرى.

وأخيراً، وبعد أن يكمل هذه المهمات الثورية الملحة، ويضع الأسس الراسخة لبناء دولة مدنية متحضرة، ينبغي عليه أن يتقاعد اقتداءً بما فعله القائد البديع سوار الذهب في السودان، ويترك الدولة في أيادٍ أمينة، ليكون هو الآخر نموذجاً لأعظم القيادات العسكرية الساعية إلى تخليص شعوبها من قهر الدكتاتورية وحكم الطغيان والاستبداد، وبناء دولتها الحضارية الحرة المزدهرة من جديد.