عقل العقل

الدواعش يضربون نجران الحبيبة هذه المرة، ويستهدفون مسجداً للطائفية الإسماعيلية، في محاولة منهم لضرب الوحدة الوطنية، بعدما فشلوا في استهداف مساجد وحسينيات في أبها وفي المنطقة الشرقية، علينا ألا نكتفي بالشجب من شرائح المجتمع بعد كل عملية إرهابية يقوم بها هؤلاء المرضى، وألا نتعود على أعمالهم القذرة، ونقف وننتظر أين سيكون هدفهم المقبل.

&

يبدو أن محاربة الفكر الداعشي هي معركة فكرية في المقام الأول، وعلينا الاعتراف بأن هناك بيئة مساعدة لهؤلاء الإرهابيين، فمن تتبع وقراءة حال الإرهابي الذي قام بالعملية الإرهابية في نجران فهو خريج معهد فني وعمل في أكثر من مجال وتحصل على وظيفة رسمية في إحدى الدوائر الرسمية في مكة المكرمة، أي أن وضعه الاقتصادي جيد ويمكن أن يصنف اقتصادياً بأنه من الطبقة الوسطى، أي أن العامل الاقتصادي ليس سبباً ودافعاً لما قام به، إضافة إلى أن سلوكه الاجتماعي كان جيداً بحسب شهادة جيرانه، إذ أكدوا أنه بار بوالديه بشكل لافت.

&

إذاً، ما السبب الذي أوصله إلى هذه القناعة التكفيرية، والتي قادته إلى قتل إخوة له مواطنين، فقط لأنهم يختلفون معه في المرجعية المذهبية؟

&

مما كتب عنه أن التغير بدا عليه عندما تعرف على شخص آخر يجمع التبرعات الخيرية، كما ذكر وأقنعه بعد ذلك بالذهاب إلى سورية وتمت استعادته من هناك، ومكث في مركز المناصحة فترة من الزمن.

&

هذه التحولات في مسيرة هذا الإرهابي تدل على أن لدينا خللاًً «ما» في تركيبة الفرد وضعفه وسهولة السيطرة عليه ممن لهم أجندات إرهابية في مجتمعنا، وعلينا أن نواجه الحقيقة ونبحث الأسباب التي تقف وراء سهولة تجنيد بعض شبابنا واستخدامهم كقنابل انتحارية تضرب إخوة لهم في الوطن.

&

اللافت في المعلومات التي ظهرت على شاشات التلفاز بعد حادثة نجران الإرهابية، صور سيارة الإرهابي وما وجد فيها من أشياء، وأكثر ما لفت نظري فيها هو كيس من البلاستيك مليء بأشرطة الكاسيت ذكر أنها لدعاة من الداخل والخارج، وكنت أعتقد أن توظيف أشرطة الكاسيت من التيارات الجهادية التكفيرية ولى بسبب التطور التكنولوجي في مجال المعلومات على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي توظفها هذه الحركات بامتياز، ولكن عودة أشرطة الكاسيت تدعو إلى وقفة ومراجعة بأن هذه التنظيمات تستخدم كل وسائل التأثير قديمها وحديثها، فكلنا يتذكر أن الكاسيت كان له حضور مثلاً في إيران من رجال الدين هناك ضد نظام الشاه، ونجحوا في ذلك على المستوى المحلي، ونتذكر أن استخدام الكاسيت الدعوي السياسي استخدم بنجاح من تيار الصحوة لدينا في ثمانينات القرن الماضي، عندما كانت أشرطتهم توزع في كل مكان في المدارس وعند الجوامع، وانتشرت التسجيلات الإسلامية كما يدعون على حساب التسجيلات الفنية في مدننا، بل إن بعض مدننا لم يكن بها إلا تسجيلات إسلامية.

&

كنت أتمنى أن يركز على أشرطة الكاسيت التي وجدت في مركبة إرهابي نجران، وأن يسمي أسماء الدعاة أصحابها، حتى نعرف كمجتمع من أين يستقي هؤلاء فكرهم، وقد لا نستغرب أن يكون هؤلاء من دعاتنا من أصحاب ملايين المتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي.

&

ما أردت قوله، هو أن من يدعون إلى التكفير والإرهاب قد يكونون هم أنفسهم وما زالوا بيننا وإن اختلفت الوسيلة والأداة.
&