محمد شومان
خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، انتقد الرئيس عبدالفتاح السيسي أداء الإعلام المصري، وقال أن التضليل الإعلامي يهدد مسيرة التنمية، مؤكداً أن القطاع الإعلامي «مليان كوارث»، وأشار إلى أن أحد الإعلاميين يقول: «الرئيس قاعد مع بتوع سيمنز وسايب إسكندرية تغرق. ما يصحش كدا. هذا أمر لا يليق. انتو بتعذبوني إني جيت هنا ولا ايه؟». وأضاف الرئيس: «أنا مش زعلان. بس عاوز حد يقولي أنا أسأت لمين. المرة الجاية أنا هشتكي للشعب المصري منكم». عبارات الرئيس حملت مزيجاً من الغضب والعتاب وربما التحذير لبعض الإعلاميين من الممارسات غير المهنية، والتي لا تراعي أوضاع مصر الصعبة وجهود الرئيس وحكومته للتعامل مع تركة الأزمات والمشكلات الموروثة من حكمي حسني مبارك ومحمد مرسي، وكان السيسي أشاد خلال هذه الندوة بمعدلات النمو التي تسير في شكل جيد خلال الفترة الماضية، قائلاً: «إحنا بنتكلم في 17 شهراً فقط مش 17 سنة، والله ما تحقق هو حلم ربنا أعاننا عليه». وتعكس تصريحات السيسي أزمة العلاقة بين الحكم الجديد والإعلام، فالخطاب الإعلامي السائد لا يتفق تماماً مع تقدير حجم ومستوى الإنجازات التي وصفها الرئيس بالحلم، ويركز بخاصة في الأسابيع الأخيرة على معاناة المواطنين من ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات العامة.
&
الاختلاف في تقدير إنجازات الحكم الجديد وانتقاد السيسي وحكومته هو الفصل الأخير من أزمة الإعلام المصري في علاقته مع السلطة من جهة ومع المجتمع من جهة ثانية، لأن الأزمة بشقيها موروثة من عهد مبارك ثم تفاقمت - وهنا المفارقة - بعد ثورة يناير غير المكتملة، حيث بدأت الفوضى الإعلامية مع ظهور عشرات الصحف والقنوات الخاصة، وتداخل رأس المال السياسي والإعلامي، في ظل ضعف القوانين وغياب آليات التنظيم الذاتي وانتهاك القواعد المهنية، علاوة على تراجع إعلام الدولة. وفي ظل هذه الفوضى، وقع كثير من التجاوزات بحق السلطة ورموزها والمواطنين. من هنا نصَّت خريطة الطريق في تموز (يوليو) 2013 على «وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والصدقية والحياد وإعلاء المصلحة العليا للوطن».
&
ومع ذلك لم يتحقق هذا النص، لأسباب كثيرة في مقدمها غياب الرؤية لإعادة هيكلة الإعلام وعلاقته بالسلطة بعد الثورة (ألغيت وزارة الإعلام ثم أعيدت ثم ألغيت) وعدم وجود نقابة أو نقابات للعاملين في الإذاعة والتلفزيون، علماً أن غالبية الأخطاء المهنية والتجاوزات التي انتهكت الحياة الخاصة لبعض الشخصيات العامة وأساءت إلى شباب الثورة، ارتُكبت من خلال الفضائيات الخاصة التي تملكها وتديرها حفنة من رجال أعمال يستثمرون في مجالات مختلفة ليس من بينها الإعلام، ومع ذلك دخلوا مجال الإعلام بعد الثورة من دون اهتمام بتحقيق أرباح، والمدهش أن بعضهم أسَّس أحزاباً ولديه في الوقت نفسه وكالات للإعلان، ما خلق أوضاعاً احتكارية أثَّرت سلباً في إعلام الدولة الذي يعاني مشكلات تمويلية وإدارية هائلة قلَّصت نفوذه وقدراته على المنافسة.
&
والثابت أن الاختلال في أنماط الملكية، ومعدلات متابعة الصحف والقنوات، وفائض التسييس في الإعلام أضرَّ بمهنية الإعلام وصدقيته، بل وأساء أيضاً إلى عموم الإعلاميين، وخصم بوتيرة متسارعة من القوة الناعمة لمصر، ومع ذلك استمرت هذه الأوضاع من دون تغيير بعد وصول السيسي إلى الرئاسة، على رغم كثرة الحديث والشكاوى من تجاوزات بعض الإعلاميين وأخطائه، وعدم رضا خبراء الإعلام والرئيس عن أداء الإعلام، حيث أشار السيسي في آب (أغسطس) 2014 إلى أن عبدالناصر «كان محظوظاً لأنه كان بيتكلم والإعلام كان معاه»، ويمكن القول أن الإعلام يمثل أحد شواغل السيسي، حيث حرص على الالتقاء بكثير من الإعلاميين، والحديث عن أهمية دور الإعلام في دعم السلطة السياسية وحشد الجماهير في مواجهة الإرهاب وتحقيق أهداف التنمية.
&
والشاهد أن السيسي حظي بتأييد واسع من الإعلام والإعلاميين كما لم يتدخل في شكل مباشر للتضييق على حرية الإعلام، أو منع أو مصادرة صحيفة أو قناة، وعلى رغم أنه يجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فإن الرئيس لم يبادر إلى إصدار قرارات بقوانين لتفعيل مواد دستور 2014 التي تقدم رؤية شاملة لإعادة هيكلة الإعلام وتطويره من خلال إنشاء ثلاث هيئات مستقلة للإشراف على الإعلام وتنظيم أنماط الملكية ومنع الاحتكار، مع مراعاة حرية النشر والتعبير. وأتصور أن السيسي فضَّل أن يقوم البرلمان المنتخب بصوغ هذه القوانين. وهنا تبرز إشكالية أن انتخابات البرلمان تأخرت لقرابة عام ونصف استمرت فيها فوضى ولا مهنية الإعلام، وظهر بعض المشكلات الداخلية، خصوصاً ارتفاع الأسعار واستمرار فساد أجهزة الدولة والمحليات، وهي ملفات ركَّز عليها الإعلام وطرحها في شكل نقدي تجاوز للمرة الأولى الوزراء ليطاول الرئيس، في تحول مهم من الموالاة الكاملة إلى ظهور بعض الأصوات المعارضة، كانت من بينها انتقادات بعيدة من الموضوعية والمهنية، وهو ما أثار غضب الرئيس وعبَّر عنه في تصريحاته أمام قادة الجيش.
&
عتاب الرئيس وغضبه موجَّهان إلى الإعلام الخاص، وتحديداً رجال الأعمال الذين يمتلكونه، ثم الإعلاميين الذين يبحثون عن النجومية والانتشار الجماهيري من دون مراعاة اعتبارات أخرى، بدليل أن مجمل التجاوزات وقعت من إعلاميين كانوا من بين أكثر مؤيدي السيسي، ثم انقلبوا عليه ظناً منهم أن هناك تغيرات في المزاج الشعبي أو لأن الهجوم على الرئيس وحكومته يحقق نسب مشاهدة أعلى، وربما يتفق مع مصالح رجال الأعمال الذين يملكون القنوات والصحف الخاصة. وتجدر الإشارة إلى العلاقة القلقة وغير المستقرة بين الرئيس ورجال الأعمال، حيث يرى أنهم لم يقدموا المطلوب منهم من تبرعات أو مشاركات تنموية.
&
يرى البعض أن السيسي لن يتخذ إجراءات ضد حرية الرأي والتعبير، وإنما سينتظر بدء أعمال البرلمان، حيث سيطلب سرعة إصدار قوانين لتنظيم الإعلام، فالرجل انتظر قرابة عامين منذ إصدار الدستور، وبالتالي سيكون من الأفضل له الانتظار أشهراً عدة، وهنا تبرز إشكالية ترتيب أولويات المهام التي على البرلمان القيام بها، فهناك قوانين كثيرة صدرت يتوجب على البرلمان إقرارها، إضافة إلى قوانين مهمة تنتظره، وبالتالي كيف يمكن منح قوانين الإعلام الأولوية ضمن مشاغل البرلمان وأعماله، حتى يمكن وقف فوضى الإعلام، والتي تخصم بوتيرة متسارعة من القوة الناعمة لمصر.
&
إن إصدار قوانين لتنظيم الإعلام مهمة ملحة وعاجلة في ضوء الاعتبارات الآتية:
&
أولاً: إن مهمة البرلمان لن تبدأ من الصفر لأن هناك مشروع قانون مهماً مقدماً من لجنة تتألف من 50 خبيراً وممارساً إعلامياً، شكَّلتها نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للإعلام ونقابة العاملين في الإذاعة والتلفزيون تحت التأسيس، كما أن هناك مشروع قانون معداً من لجنة شبه حكومية تضم خبراء وممارسين للإعلام.
&
ثانياً: عدم التعجل أو الوقوع تحت تأثير اللحظة الحالية، والتي تتفاعل فيها مشاعر غضب عام إزاء تجاوزات الإعلام، بالتالي لا بد من الهدوء وإدراك أن فوضى الإعلام وتجاوزاته لا تمثل غالبية الممارسات الإعلامية ولم تتورط فيها غالبية الإعلاميين.
&
ثالثاً: الالتزام بروح الدستور ومنهجه في احترام حرية الرأي والتعبير، وحق النقد وحق الحصول على المعلومات وإلغاء العقوبات السالبة الحرية في قضايا النشر.
&
رابعاً: عدم تحويل الهيئات التنظيمية الثلاث المشرفة على الإعلام إلى آليات للسيطرة الحكومية، وذلك من خلال ضمان استقلالها المالي والإداري عن الحكومة.
&
خامساً: إن إصلاح الإعلام المصري وإعادة هيكلته هي مهمة تتجاوز اهتمامات النخبة السياسية والإعلاميين وتتصل بحقوق غالبية المواطنين ومصالحهم، ومن ثم لا بد من توافر شروط حوار مجتمعي حقيقي عند اقتراح قوانين الإعلام ومناقشتها.
&
سادساً: دعم حق العاملين في الإعلام في تشكيل نقابات مستقلة تدافع عن مصالحهم وتضع مواثيق شرف مهني.
&
سابعاً: تشجيع مبادرات الأفراد لتشكيل جمعيات للدفاع عن حقوق الجمهور في الاتصال والحصول على إعلام مهني ومتوازن وملتزم بمدونات سلوك معلنة ومواثيق شرف تخضع لمراقبة المجتمع.
&
&
التعليقات