صالح عبد الرحمن المانع

أعلنت المملكة العربية السعودية في الخامس عشر من شهر ديسمبر الجاري خبر تشكيل تحالف إسلامي عريض محارب للإرهاب يضمّ خمساً وثلاثين دولة، وأنّ هناك عدداً من الدول الإسلامية بصدد الانضمام إلى هذا التحالف، وأعلن وزير الخارجية السعودية، في لقاء صحفي لاحق، أنّ هذا التحالف سيعمل على أربعة محاور، أولاهما أمني بغرض تبادل المعلومات بين الدول الإسلامية حول الحركات الإرهابية وأنشطتها، وثانيهما عسكري، وثالثهما ذا طابعٍ فكري، ورابعهما يهدف إلى وقف أي تمويل محتمل لهذه الحركات الإرهابية، وأكّد بأنّ هذا التحالف تحالف عريض، وليس ذا طابعٍ طائفي.


والحقيقة أنّ الحركات الإرهابية التي ظهرت في العالم الإسلامي وغيره من الدول، ظهرت نتيجة ضعف بعض دول الإقليم، وعجزها عن مكافحة هذه الآفة التي تفتك بشباب المسلمين، وبالمجتمعات العربية المسلمة، وتوجّه عنفها ضد المدنيين الآمنين سواء في منازلهم، أو أماكن عملهم، أو حتى في دور العبادة، التي طالما كانت مقدّسة ومحترمة عند المسلمين. وحين ينظر المرء في الأيديولوجيات الموجِّهة لهذه الحركات الإرهابية، فإنه يرى أنها تطوّرت من حركات تكفِّر الدول الإسلامية، إلى حركات تكفّر الشعوب الإسلامية نفسها. ومثل هذه الحركات تشبه ما سُمِّي بحركات «الخوارج» في التاريخ الإسلامي، غير أنها تستخدم آليات ووسائل جذب إعلامي جديدة قادرة على حشد عد كبير من الشباب لجهدها العسكري. ترتكز هذه الحركات المسلّحة على ما يُسمّى بـ«التترس»، وهو مصطلح في فقه الجهاد يعني بحرب الأعداء في حال احتمائهم بعدد من المسلمين، وقد أجاز بعض مفتي هذه الحركات الإرهابية مقاتلة الأعداء حتى لو «تترّسوا» خلف جدران بشرية مسلمة، وحتى لو سُفكت دماء المسلمين من الأبرياء في ذلك، ومثل هذه الفتاوى التي ما أنزل الله بها من سلطان، تُعدّ فتاوى خارجة عن الدين والعُرف، وناقضة لجميع القوانين الإسلامية والإنسانية.

فالدين الإسلامي دين المحبة والسلام والتسامح، ولم يكن يوماً دين يقوم على الحرب والعنف. ولو كان الأمر كذلك، لسمح النبي (صلى الله عليه وسلم)، لأصحابه بأن يقتلوا كفّار مكة غدراً، لكنه لم يجِز فعل ذلك على الرغم مما كان يفعله أكابرهم بالأقلية المسلمة في المدينة المقدّسة، فالنبي كان رحيمًا حتى بأعدائه قبل أصحابه. لذلك، كان من الواجب، ليس فقط تبيان حقيقة موقف الإسلام من الأعمال الإرهابية ضد المدنيين، ولكن العمل بقوة لردع مثل هذه القوى الخارجة عن القانون وعن العرف الإنساني، وربما يتساءل المرء، هل يمكن أن يكون هذا التحالف الذي سيتّخذ من الرياض مركز عمليات رئيسة لها، يمثّل تحالف عسكري على غرار حلف الناتو مثلاً؟ أم أنه سيكون حلفًا مؤقتًا ينتهي بانتهاء الغرض من إنشائه؟

كما يمكن للمرء أن يتساءل عن الأعباء العسكرية والمالية المترتّبة لإنشاء مثل هذا الحلف، وهل سيقتصر على تبادل المعلومات والآراء عن الجماعات المسلّحة أم سيتطوّر إلى حدّ إرسال قوات عسكرية مقاتلة على الأرض للتصدّي لهذه الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، ويبدو أنّ أسهل وسيلة لمحاربة الحركات الإرهابية هو عزلها ومحاربتها فكرياً ومالياً. ويتبع ذلك تصدّي المراكز الثقافية الإسلامية، مثل الأزهر والجامعات الإسلامية، لهذا الخطر المحدق بنا، فمثل هذه الحركات الإرهابية تطمح إلى الإطاحة بالحكومات والدول القائمة، وإنشاء حكومات ودول منغلقة، لا مكان فيها للأقليات أو لاحترام الفكر، أو للتعامل الإنساني مع الآخر. ولا يمكن دحض هذا الفكر المتطرف إلا بفكر إسلامي منفتح يقوم على الوسطية والاعتراف بالتعدد الإنساني، ويركّز على الأخلاق والتعامل الحضاري، فالإسلام لم يكن دوماً إلا ديناً أخلاقياً يقوم على احترام الحضارات والشعوب، والتعايش السلمي بين البشر. يمكن القول بأنّ مثل هذا التحالف الإسلامي سيحظى بقبول شعبي وعالمي طالما ارتكز على أسس فكرية وإعلامية قوية، ووازن بين الأعباء والقدرات المتأتية لدوله وشعوبه، لأن مسألة الموازنة بين الأعباء والقدرات هي مسألة مهمة جداً، بحيث لا تزيد الأعباء عن القدرات الذاتية والمحتملة للدول المتآزرة في مثل هذا التحالف.

ويبقى في النهاية البعدين الفكري والمالي هما البعدان الرئيسان لأي تحالف فعّال، ولا يجرّان بالضرورة إلى أعمال عسكرية، إلا إذا اقتضت الحاجة الماسّة لمثل هذه الأعمال، فعود الإرهاب ضعيف ويمكن القضاء عليه ومحاصرته بسلاح الفكر والوعي والإعلام في المقام الأول.
&