حمد المانع

في ظني أن ما بقي من واجب استكمال تحرير اليمن، وفرض الشرعية فيها، أولى بأهل اليمن أن يضطلعوا به، بعدما مهدت قوات التحالف بقيادة المملكة السبيل أمامهم لاستكمال هذه المهمة


قالوا قديماً "أهل مكة أدرى بشعابها"، وتضرب هذه المقولة مثلاً لدراية كل أهل بلد بظروفها الإنسانية والسياسية والاقتصادية وأيضاً العسكرية والسياسية، والظرفان الأخيران هما ما نعنى به هنا في السطور الآتية.


ولأن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود كان أحد أخبر العرب بحكمهم وأمثالهم السائرة التي كانت أحد روافد حكمته الفذة في شؤون السياسة والحكم، فلقد وصل –طيب الله ثراه- إلى خلاصة سياسية حول القضية الفلسطينية في بداياتها يوم قال: "لن يحرر فلسطين إلا الفلسطينيون". ولقد أثبتت الأيام صحة هذه المقولة بعدما خاص العرب حروباً عديدة مع العدو الإسرائيلي ولم يحرروا فلسطين، وحين أتيح المجال لأهل غزة أجبروا دولة الاحتلال على التراجع عن القطاع واتقاء اجتياحه برياً إدراكاً منها أن هذا سيكلفها الكثير لأن أهل غزة أدرى بشعابها.


وما أحوجنا اليوم إلى الحكمة نفسها على الساحة اليمنية، ففي ظني، أن ما بقي من واجب استكمال تحرير اليمن، وفرض الشرعية فيها، أولى بأهل اليمن أن يضطلعوا به، بعدما مهدت قوات التحالف العربي بقيادة المملكة السبيل أمامهم لاستكمال هذه المهمة التي لم يبق منها إلا النذر اليسير، وكثير منه له علاقة بالثقافة اليمنية نفسها، ومفاهيم الشعب اليمني وتصوراته وثوابته التاريخية التي لا داعي على الإطلاق للمساس بها، فليكمل اليمنيون هذه الجراحة الدقيقة في جسد بلادهم، أيضاً برعاية قوات التحالف العربي التي ما من شك في أنها لن تتخلى عن القضية اليمنية ولا عن المقاومة ولا عن السلطة الشرعية في البلاد، وتحرير عدن، الجزء الأصعب والأخطر في هذه العملية الجراحية الخطرة على الإطلاق، على أن تعزز قوات التحالف القوة الدفاعية للمقاومة ولقوات الشرعية اليمنية، وأيضاً تتولى مهمة تدريب هذه القوات، فلقد كان أحد أهم أسباب تأخر تحرير عدن وما تكبده أهل عدن من خسائر في الممتلكات، أنهم لم يكونوا مجتمع حرب على الإطلاق، فأهل عدن مجتمع تعايش لا مكان للسلاح في شوارعها، بخلاف مناطق أخرى في اليمن لا يمشي الرجل فيها إلا متأبطاً سلاحه، أو مغمداً جنبيته بجوار خاصرته، وهو منظر لم يكن مألوفاً في عدن التي نجحت على مدار عقود طوال في أن تجمع أعراق الأرض على شاطئها المحب للإنسانية الذي استقبل كل وافد عليه بحب واعتبره واحداً من أهل عدن، حتى إن كل من تطأ قدمه أرض عدن يشعر أنه من أهلها، ولم يكن أهل عدن متحسبين لمثل هذه الخيانة وهذا الغل والعداء من قبل الحوثيين وأذنابهم من قوات المخلوع، فلم يكن أحد يتصور أنهم سيمطرون الأحياء السكنية بالقذائف الصاروخية وقذائف المدفعية على هذا النحو الإجرامي، وما من شك في أن عدن التي استوعبت درس الخيانة هذا جيداً لن تقف مكتوفة الأيدي مرة أخرى أمام مثل هذا العدوان، لكن بعد أن ندرب أهلها جيداً، ونمدهم بما يحمون به أنفسهم من العتاد، في مواجهة شركاء وطن خائنين، لم يرقبوا فيهم إلاً ولا ذمة.


لقد استجاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بنبل فارس عربي لمناشدة الرئيس اليمني إثر الانقلاب على شرعيته، ومنطق العصابات الذي سعت جماعة الحوثي وأذنابها من فلول صالح من خلاله إلى ابتلاع اليمن لمصلحة إيران رأس الشر المدبر لهذه الفتن المدلهمة، ولقد نجحت قوات التحالف بقيادة المملكة في تقويض الشطر الأعظم من القدرات العسكرية للحوثي وشريكه المخلوع، وتخليص معظم مدن اليمن من براثنهما، وإن أهل اليمن الآن أولى بما بقي من معركتهم، وهو ليس بالكثير، وليس من المنطقي أن يخوض أحد معركة اليمنيين نيابة عنهم، حتى لا تنجح آلة الإعلام الإيرانية في تسويق هذا الأمر على وجه بعيد عن حقيقته وهدفه الممثل فقط في إعادة الشرعية إلى أرض اليمن، وإعادة اليمن إلى أهلها بعد تفويت الفرصة على المشروع الإيراني الكبير لابتلاعها واختطافها، وتحويل صنعاء إلى ذراع إيرانية إضافية في المنطقة كما صرح ملالي إيران وأذنابهم أكثر من مرة.


هذا على الصعيد العسكري، أما على الصعيد السياسي، فما من شك في أن التسريع بضم اليمن إلى دول مجلس التعاون، يعزز من قدرة دول المجلس على مساعدتها بوصفها دولة حليفة، ويدخلها في حضن أشقائها في الخليج، ويفوت الفرصة على دولة الملالي أن تعيد الكرة وتهدد أمن اليمن واستقراره وهويته العربية من جديد.


ولا أعرف حقيقة ما الذي أخر انضمام اليمن إلى دول مجلس التعاون هذا الزمن الطويل، وهي الدولة بالغة التأثير في دول الخليج العربي، بحكم الحضور الكثيف للأشقاء اليمنيين في جميع مشاهد الحياة الاقتصادية والاجتماعية في بلداننا، فضلاً عن الأصول اليمنية لقائمة طويلة من أهم عائلات دول الخليج العربي، وفي مقدمتها المملكة التي تضم أرضها نخبة من الأسر التي قدمت أسماء لامعة مؤثرة في جميع مجالات الحياة، جميعها تمتد جذورها في أرض الشقيقة اليمن، والآن أثبتت التجربة العملية مدى أهمية هذا الانضمام، بعد أن وصلت دولة الملالي إلى حقيقة أن دولة اليمن هي مدخلها إلى دول مجلس التعاون ضمن مساعي دولة الشر والأطماع المرضية إلى زعزعة أمن دول مجلس التعاون واستقرارها وفي مقدمتها المملكة، فهل يعقل بعد هذا كله أن تبقى اليمن بمفردها خارج منظومة دول مجلس التعاون، فريسة يتجرأ عليها هذا أو ذاك، أو ورقة نساوَم بها في أروقة السياسة الدولية؟
لقد آن الأوان لنضع اليمن في مكانها الصحيح بيننا، ونحتضنها ضمن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، وأن تدرج شؤون حمايتها واستقرارها وتنميتها على طاولة المجلس الموقر لدول الخليج العربي، حتى تعلم دولة الملالي أن أرض اليمن خط أحمر، وأنها لن تكون لقمة سائغة لها أو لأذنابها من جديد.
&