رضوان السيد
اشتعلت الجبهة فجأةً بين"حزب الله" وإسرائيل، وحدث ذلك بعد "اعتداءٍ" للطيران الإسرائيلي على وفدٍ أو بعثةٍ لـ"حزب الله" بالجولان السوري مكوَّنة من لبنانيين (بينهم ابنٌ لعماد مغنية) وإيرانيين(بينهم جنرال من الحرس الثوري). لقد ردَّ الحزب على هذا "الاعتداء" بعد تهديداتٍ إيرانية وإعلامية طويلة وعريضة بضرب دورية إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا اللبنانية، حيث سقط قتلى من عسكر إسرائيل، وجندي من القوات الدولية المتمركزة بجنوب لبنان. وخلال الأيام الماضية بعد هذا "الردّ الصاعق"، كما قالت وسائل إعلام الحزب والنظام السوري وإيران، ما عاد هناك همٌّ في إسرائيل والغرب ووسائل الإعلام بالمنطقة غير درْس الاحتمالات المخيفة، وهل يتطور الاشتباك إلى حربٍ محدودةٍ أو شاملة، أو يضبط الطرفان عساكرهم، وينتهي الأمر عند هذا الحد! انصرف الإسرائيليون للتهديد بأنّ إسراف الحزب في هجماته (التي انقطعت بعد حرب العام 2006 حيث حصل النصر الإلهي!) ستدفع الإسرائيليين للعمل بلبنان كما عملوا بغزة. وانصرف أنصار الحزب لِعَدِّ صواريخه المهولة التي تزيد عدداً على المائة ألف، والتي ربما آن أوانُها من أجل تحرير فلسطين بالكامل! وفي حين أظهر الطرفان قوتهما الزائدة عن الحدّ؛ فإنّ الذين أظهروا خوفهم علناً من نشوب القتال، كانوا من المدنيين بجنوب لبنان، وبالجليل الأعلى وجواره. إذ إنّ المدنيين على الجانبين سبق أن تهجَّروا آخر مرة عام 2006 وبخاصةٍ سكان جنوب لنبان!
كان الأمين العام لـ"حزب الله" قد نسي إسرائيل والتحرير لقُرابة التسع سنوات؛ وبخاصةٍ بعد أن خاض في السنوات الثلاث الأخيرة حربه الضَروس ضد "التكفيريين" في سوريا، دفاعاً عن نظام الرئيس "المؤمن" بشار الأسد. لكنه تذكّر فجأةً قبل شهرٍ المقاومة والعدو الإسرائيلي، وراح يتوعد ويُهدّد، وتطلب وسائل إعلامه من الإسرائيليين أن يستعدوا لدخول الملاجئ، فلماذا كان هذا التذكُّر المُفاجئ، وهل يعني ذلك أنه ما عاد هناك تكفيريون في سوريا، أم أنّ الحزب قادرٌ على القتال على الجبهتين، كما سبق له أن أعلن على مشارف احتلال بيروت عام 2008؟!
&
ما تعلّمناه من دروس ما بعد 2000، أنّ موازين القتال أو عدمه لا تتعلق بفلسطين ولا حتى بإسرائيل، وإنما بما تعتقد إيران أنه مفيد لها في تجاذُباتها مع الولايات المتحدة، مفاوضةً أو تقاسُماً أو تشاركاً. ولذا فالمرجَّح أنّ هذه المرة لا تختلف عن سابقاتها. بمعنى أنّ تذكُّر الأمين العام للحزب للعدو الإسرائيلي له علاقةٌ بمصلحةٍ إيرانية تقتضي التصعيد. إنما المشكلة في هذا التصور الذي أقترحُه لفهم ما جرى ويجري، أنّ نصر الله هدَّد، لكنّ الإسرائيليين هم الذين بدأوا "الواقعة" بضرب الحزب والإيرانيين في الجولان المحتلّ. وما وصل الحزب والإيرانيون إلى القنيطرة اليوم أو بالأمس، بل وصلوا قبل أكثر من عام. وقد كانت العادة أن تقوم إسرائيل بغاراتٍ داخل الحدود السورية لجهة لبنان، ثم يقال بعد ذلك إنها ضربت قوافل لنقل صواريخ أو كيماويات من سوريا إلى معسكرات الحزب بلبنان. فالجديد ليس تذكُّر أمين عام الحزب للعدو الإسرائيلي فقط؛ بل وتذكُّر إسرائيل لوجود الحزب والإيرانيين بالجولان. وهكذا فإنّ الطرفين لهما مصلحةٌ بإرسال رسائل بالنار في سوريا ومن حولها: الإيرانيون يريدون دفْع الولايات المتحدة باتجاه الاتفاق على النووي، والإسرائيليون يريدون إنذار الولايات المتحدة أنهم لن يسمحوا بالوصول إلى اتفاقٍ غير ملائم لهم مع إيران!
الإسرائيليون ضربوا إذن في الجولان. والإيرانيون أجابوا من لبنان بطريقةٍ مشابهة لطريقتهم عام 2006. ووقتها أجابت إسرائيل بحربٍ شاملة، فاز فيها الحزب بتدخل إلهي بالطبع. فهل يحصل اليوم ما حصل بالأمس، أم أنّ الطرفين اعتبرا أنّ الرسائل وصلت، وأنّ الأميركيين، والروس سيهتمون بالباقي؟
المراقبون العسكريون يرجّحون توقف الأمر عند هذا الحدّ لتحقُّق الأغراض من وراء الرسائل. لكنّ الحقيقة الساطعة باقية. وهي أنّ إيران تشن الحروب على العرب وليس على إسرائيل في أربع أو خمس بلدان عربية. وأنّ إسرائيل تريد إنهاء قضية الشعب الفلسطيني. وفي كلا الأمرين تمارس الولايات المتحدة دوراً عجيباً هو أنه ما عادت هناك في المنطقة مشكلة غير الإرهاب "الداعشي"، وهي تدعو الجميع لمساعدتها في ذلك، وتقول للإيرانيين، وإسرائيل إنّ أمنهم محفوظ، ومصالحهم محفوظة، وعليهم الانصراف عن هذه الخزعبلات، والتطلع إلى ما تحقق من انتصاراتٍ في كوباني وديالى!
&
التعليقات