عدنان حسين


&

&

ولو كنت بين الزملاء الإعلاميين الذين التقوا السيد عمار الحكيم لسألته، بعد حديثه عن "الخلل الكبير في العملية السياسية" وعن "خيار المصالحة" الذي لا بدّ منه كما استنتج هو: أي مصالحة تقصد؟ ومع من تُعقد؟
مبعث السؤال ان الحكومات التي تولّت السلطة على مدى السنوات العشر الماضية، وهي جميعاً برئاسة التحالف الوطني صاحب الأغلبية والسلطان في تلك الحكومات وفي البرلمان وعموم هيئات الدولة، لم تتعامل بنزاهة مع قضية المصالحة وما يمتّ لها بصلة.. المؤتمرات التي نظّمتها كانت نسخة من "موائد الرحمن"، فالمنظّمون تفنّنوا في اختيار ألوان الغذاء والشراب ولم يبذلوا الجهد المطلوب في إعداد جداول العمل، والداخلون الى تلك المؤتمرات والخارجون منها أمضوا أوقاتاً في المأكل والمشرب أكثر مما في النقاش حول المصالحة نفسها، والنتيجة ان عشرات ملايين الدولارات، وربما مئات الملايين، قد أُنفقت من دون نتيجة.


من أسباب هذه النتيجة ان القائمين على المصالحة، ومن خلفهم قيادات التحالف الوطني، لم يكونوا مؤمنين بالمصالحة ولا راغبين فيها كما كتبتُ أمس، وهذا ما وجد تفسيره أيضاً في انهم جعلوا للمصالحة طابعاً ومضموناً طائفيين فيما هي ملف سياسي في المقام الأول، وعلى هذا الأساس سعوا الى "المصالحة" مع من لا قدرة لهم على المصالحة، ولا يستحقون المصالحة.


قيادات التحالف الوطني اختارت لها في الأساس شركاء "طائفيين" في العملية السياسية من السنّة الأكثر تعصباً وطائفية.. فعلوا هذا بقصد ليحوّلوا العملية السياسية الى مباراة طائفية بغيضة، وهذا ما كان بالفعل منذ بدء العملية السياسية حتى اليوم.
رحّبت قيادات التحالف الوطني على الدوام بممثلين للسنّة، هم الأسوأ في الواقع، من أمثال عدنان الدليمي وطارق الهاشمي وأحمد العلواني وصالح المطلك ومشعان الجبوري وأمثالهم، فيما استبعدت عناصر نزيهة كان يمكن لها أن تصنع مصالحة حقيقية.
حكومات التحالف الوطني، وبخاصة الحكومتين اللتين ترأسهما السيد نوري المالكي، أظهرت تهالكاً على سقط متاع البعث، وأوكلت إليهم مهمات ومسؤوليات خطيرة ، خصوصاً في مجال الدفاع والأمن، والسبب ان هذه العناصر كانت الأكثر استعداداً للارتزاق والتزلّف وإظهار الولاء الشخصي، والنتيجة ان ظاهرة الفساد الاداري والمالي ضربت، على أياديهم، أركان الدولة بعنف كما التسونامي، ما أدى الى الهزيمة المنكرة المذلّة للمؤسسة العسكرية أمام عصابات داعش الإرهابية في حزيران العام الماضي.
لكن ممارسة السيد المالكي لم تنشأ من فراغ، فالتحالف الوطني أرسى القاعدة وأشاد الأساس.. التحالف الوطني زجّ في الدولة بعشرات الآلاف من مزوري الوثائق والشهادات ومن البعثيين الذين أطالوا لحاهم ولبسوا خواتم الفضة وأمسكوا بالمسابح، وانخرطوا في "الأحزاب الدينية" المنضوية تحت لواء التحالف الوطني، فيما جرى تهميش الآلاف من خيرة الخبراء والاختصاصيين الوطنيين الذي كافحوا ضد دكتاتورية صدام حسين، ووضع هؤلاء تحت رحمة جلاديهم وكتّاب التقارير ضدهم في عهد صدام. وكان المجلس الأعلى الاسلامي الذي يقوده السيد عمار الحكيم، واحداً من "الأحزاب الدينية" التي شاركت بهذه الممارسة.


نعم كنت سأقول هذا الكلام للسيد عمار الحكيم متسائلاً عن أي مصالحة يتحدث ومع من تكون المصالحة التي يتحدث عنها، من دون أن أتوهم في سماع جواب ليس فيه "تقيّة".

&


&