حسين شبكشي

النظام «الكاريكاتيري» القائم في سوريا الآن (أو بقاياه على أي حال) هو نظام مخالف للأخلاق والمنطق السياسي. كنت أتمعن في التجربة الشمولية للحقبة الأسدية أبا عن ابن، وحاولت أن أبحث عن النموذج «الملهم» الذي سار عليه نظام الأسد، فلم أجد من نظام يطابق التوجه والأساليب والنهج إلا نظام كوريا الشمالية.


في كوريا الشمالية، هناك حزب واحد وحاكم واحد، وهو حزب العمال، وهذا الحزب به تكوين وتشكيل أشبه بالدمى «المصفقة» تتفاعل مع كلمات «الزعيم الخالد» بشكل هستيري، دون الإنصات للكلمات نفسها، سواء أكانت من النوعية المعتادة من الهراء أو من الهراء المغلظ.


كوريا الشمالية هي أيضا اختارت طريق «الممانعة»؛ فهي تمانع الاحتلال الأميركي لكوريا الجنوبية، وتؤمن إيمانا كاملا وقطعيا بأنه لا صوت يعلو فوق صوت «المعركة»، فهي أيضا لديها «معركة» وظف الاقتصاد والنظام السياسي والاجتماعي للتركيز على هذه «المعركة»، فكان اقتصاد الحرب هو الرئيسي، ومن ثم إلغاء فكرة الاقتصاد الحر، وجندت الشعب لخدمة السلطة، فتحول الاقتصاد إلى ماكينة إنتاج لتمجيد الجيش والحاكم باسم الثورة والاستقلال والحرب الموعودة، ولم يغب قط عن النظام استخدام «نظرية» المؤامرة الكونية القائمة عليه لترويع شعبه وتجويعه حتى تظل «الفزاعة» قائمة، لتكون الغاية التي تبرر كل وسيلة.


وكما تحول نظام كوريا الشمالية إلى نظام توريث رئاسي فريد من نوعه، وجعل تقديس الشخصيات القائدة للبلاد مسألة «عقيدة سياسية» خاصة، فالأمر نفسه حصل في سوريا «الأسد» التي بجرة قلم غيرت دستورها لينطبق بالتفصيل على مقاس الابن الذي كان يجب أن يورث الحكم، حتى يستمر الفيلم الطويل لحكم العائلة، وكان ما يحدث في كوريا الشمالية من تأليه شخصية الحاكم عبر تمجيد أقواله وحكمه ومواقفه وتعليق كل صوره بكافة المقاسات في الميادين العامة، وعلى المباني الكبرى، وطبعا تسمية كافة المنشآت والشوارع والميادين والمكتبات والمرافق الكبرى باسمه، وإقامة أعظم وأكبر التماثيل في المواقع الرئيسية بكافة المدن والقرى.. وهذا الأمر نسخ حرفيا في سوريا بكافة أشكاله ومظاهره.


أثناء ذلك، كانت كوريا الجنوبية تزدهر وتنعم برغد الخيرات التي حلت عليها نتيجة الديمقراطية التي خلصتها من حكم العسكر، الذي كان متسببا في حالة هائلة من الفساد والطغيان، فاعتنت بالتعليم حتى بات نظامها التعليمي أحد أهم الأنظمة التعليمية في العالم، وكذلك الأمر الذي أصابها على الصعيد الاقتصادي، فاهتمت بتطوير صناعاتها بشكل استثنائي، حتى باتت منتجاتها تتصدر قوائم حصص السوق، وطبعا قصة النجاح الكورية باتت مضرب الأمثال في كل المجالات، من رياضة وفنون وسياحة وغيرها، وبقيت كوريا الشمالية في مظالم الطغيان والذل والهوان تركز على زيف البروباغندا، التي توزعها على شعبها لتعزله عن العالم، فتمنع عنه الفاكس والإيميل والهاتف الجوال (المفتوح) تماما، كما حصل في سوريا، حين منع نظام حافظ الأسد الديكتاتور الفاكس عن شعبه، وقنن استخدام شبكة الإنترنت بشكل مخيف.


سوريا مهد الحضارات ومولد الثقافات، تحولت إلى مقبرة للذات والأمل والكرامة والحرية، على أيدي نظام مجرم يؤيده مجرمون.. نظام ليس له مثيل ولا ملهم إلا كوريا الشمالية. يا لها من صحبة!
عندما كان أحد المحللين المعنيين بالشأن السوري يراقب ما حصل من «تطور» في حياة بشار الأسد السياسية، وصعوده شبه الإعجازي لمنصب الرئاسة، وهو الذي لم يكن حتى اختيار والده الأول، قال متنهدا: «شو موفق هالصبي»، وعندما عقد المقارنة مع نظام كوريا الشمالية و«الصبي» الكوري الشمالي هناك قهقه ضاحكا وقال: «شو موفقين هالأولاد».


شر البلية ما يضحك حقا!