أحمد عبد الملك
&
لفتت نظري الصورة المؤلمة لرحلة الهروب من الموت في سوريا إلى المجهول وسط البحر، وهي لقارب صغير يُقل أكثر من 80 شخصاً هربوا من جحيم النظام السوري إلى أية بقعة يمكن أن تستقبلهم. الصورة تم تداولها في وسائل الإعلام بداية الأسبوع، بعد أن ذاق السوريون عذابات الوطن، وفضَّلوا الهروب على العيش بين الحياة والموت وذل المعاملة.
&
وكان تقرير للأمم المتحدة قد دعا قادة العالم لوضع خلافاتهم جانباً لإنهاء الحرب المستمرة في سوريا لأكثر من 4 سنوات، حيث سقط أكثر من 210 قتلى، وتشرد نحو 12 مليون شخص داخل سوريا وخارجها، ولجأ نحو 4 ملايين شخص إلى دول الجوار. كما أشار التقرير إلى انتهاكات للطفولة، وإلى أن النساء والفتيات والرجال والفتيان في المعتقل يواجهون العنف الجنسي، كما يوجد أكثر من 220 ألف شخص عالقون دون غذاء أو دواء منذ عدة أشهر.. وبالتالي فهذا البلد المنكوب يواجه كارثة بالفعل.
&
في ذات الوقت أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن وفاة نحو 13 ألف سوري تحت التعذيب في سجون ومعتقلات النظام منذ بدء النزاع في مارس 2011، ناهيك عن فقد أكثر من 20 ألف شخص لدى الأجهزة الأمنية للنظام.
&
وفي لهجة يائسة وغير ذات جدوى أطلّ أمين عام الأمم المتحدة (بان كي مون) ليقول: «إن الشعب السوري يشعر أكثر فأكثر بأن العالم قد تخلى عنه في وقت يدخل عاماً خامساً من حرب تدمير البلاد»، وأشار إلى انقسام العالم وعجزه عن اتخاذ تدابير مشتركة لوقف القتل والتدمير. وحقيقة الأمر، نحن لا نعرف ما هي «الإجراءات الحاسمة» التي يقترحها أمين عام الأمم المتحدة!
&
إن الدول التي تستخدم حق النقض – داخل مجلس الأمن – ضد أي قرار يوقف آلة القتل في سوريا، هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن الدمار في ذالك البلد، وإن «النفاق السياسي» يساهم في استمرار عذابات الشعب السوري!
&
وكان مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد صرَّح بأن المُشتبه بارتكابهم جرائم حرب في سوريا سيواجهون العدالة يوماً ما عن الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين!
&
نحن لا نعلم في أية محاكمة وأمام أي قضاء سوف يُواجه مرتكبو جرائم الحرب في سوريا العدالة! كما أن المنظمات الحقوقية مهما رفعت صوتها بضرورة وقف الانتهاكات المتعددة ضد الشعب السوري، لن تحقق تقدماً على الأرض، لأن المفتاح بيد الدول الكبرى فقط، وهذه الأخيرة لها حسابات أخرى فيما يتعلق بمرحلة ما بعد الحرب.
&
إن المصالح هي المتحكم بإدارة الحرب في سوريا، وإلا هل كان صدام حسين أكثر عدواناً من بشار الأسد؟ وهل كان القذافي أقل ديكتاتورية من «الأسد»؟ وهل كان «بوكاسا» أكثر عنفاً من «الأسد»؟ يجب أن يتساءل الذين يحكمون مجلس الأمن عن حقيقة الموقف، قبل أن يلوِّحوا بـ«النقض» مع كل مشروع يحاول إنقاذ ما تبقى من سوريا. لقد كانت الصواريخ الأميركية قبالة الساحل السوري، قبل عامين أو أكثر، وكان يمكن إجبار النظام على التنازل أو السقوط بالقوة، لكن أوباما، وضمن حسابات محددة، أرجع قرار قصف سوريا إلى الكونجرس الذي لم يوافق على ذلك! وفي تطور مثير قال وزير خارجيته كيري، في مقابلة مع قناة ‏C.B.C ‬إن ‬بلاده ‬ستضطر ‬للتفاوض ‬مع «الأسد» ‬بشأن ‬انتقال ‬سياسي ‬في ‬سوريا، ‬وأن ‬واشنطن ‬تبحث ‬سبل ‬الضغط ‬على الأسد ‬لقبول ‬المحادثات!
&
وهل من السهولة بمكان أن يقبل الأسد التفاوض على رحيله بعد كل هذا «الصمود»، وهو يعلم طبيعة المواقف ولديه تطمينات من حلفائه بدعمه حتى آخر رمق؟!
&
إن دماء السوريين، وكرامة نسائهم وبراءة أطفالهم المسروقة وركام بيوتهم المهدمة ورموز حضارتهم المدمرة.. كل ذلك رخيص لدى مجلس الأمن الدولي!
&
إن الوضع مأساويٌ في سوريا، ولن تفيد معه كل المداولات والبيانات واللجان.. وهو يحتاج إلى قرار دولي بإسقاط النظام، الذي هو لبُّ المشكلة والمصدر الأوحد لعذابات الشعب السوري.
&
سوريا تعيش فعلاً في ظلام، حيث تبلغ نسبة الإظلام ليلاً 83%، وفي حلب وحدها تصل هذه النسبة 97%. ويحدث الإظلام حين تنهار مؤسسات الدول، وتُلغى الوظائف، وتتحكم العصابات في مصير السكان، ويصار إلى الاعتقالات الواسعة دون وجه حق. كما أن إطفاء الأنوار في أنحاء سوريا يثبت نزوح السكان إلى الخارج. والغريب أن التقرير الدولي، الذي تضمن هذه الأرقام يشير في نهايته إلى أن الآمال، التي علقها السوريون على المجتمع الدولي، ذهبت أدراج الرياح!