عبد الوهاب بدرخان
قبل عملية «عاصفة الحزم» كانت جماعة «الحوثيين» تسعى إلى السيطرة على اليمن بالقوة، وبعد «عاصفة الحزم» لا يزال هدفها أن تسيطر بالقوة. وبديهي أن هذا لا يمنح أي طرف داخلي، أيّاً تكن مواصفاته، حقاً ومشروعية، فلا هو الدولة ولا هو جيش الدولة. وأن يكون «الحوثيون» متحالفين مع طرف آخر، هو الرئيس السابق، لأن بعض الجيش يواليه، كذلك بعض الشعب، فهذا لا يعزز مشروعية أحد خارج إطار الدولة وخارج إرادة عموم الشعب الذي انخرطت مكوناته لشهور طويلة في حوار كان هاجسه الرئيسي الحفاظ على وحدة البلد وتنظيم العلاقات بين فئاته وبين مناطقه، مع حرص على تحديث المؤسسات لتنمية العلاقة المختلّة بين المواطن والدولة. ما أثبته «الحوثيون» وحلفاؤهم، بتجاهلهم الحوار ومخرجاته، أنهم يحتقرون الدولة ويستهزئون بالمؤسسات بما فيها الجيش.
&
أصبحت جماعة «الحوثيين» نموذجاً لطرف داخلي لا يأخذ في الاعتبار سوى سلاحه وارتباطه بجهة خارجية هي إيران التي وضعته في خدمة مشروعها، وأوهمته أنه أيضاً مشروعه «الوطني»، فانطلق إليه من دون تقدير للعواقب أو حساب للنتائج. هكذا يكون التهوّر، وقد تجلّت نماذجه بنسخ عدة متشابهة ومتجانسة، ليس في الانتماء المذهبي وإنما بالعقلية وأساليب العمل، كما بتجاوز قيم المجتمعات وأعرافها وروابط التعايش بين فئاتها. فما حصل في اليمن طوال الأعوام الماضية وبالأخص منذ 21 سبتمبر 2014 لا يختلف بسيناريوهاته ونتائجه المباشرة عما شهده العراق وما عرفته سوريا، وكذلك ما مرّ به لبنان وما تمرّ به البحرين، ولا ننسى السموم التي بثّت في المجتمع الفلسطيني وضربت وحدته وتضامنه وأساءت بالتالي الى قضيته. انها «الثقافة» نفسها التي بلغت الآن بداية التصريح بغاياتها ومراميها، بعدما وصلت قضية البرنامج النووي الى مرحلة تُوجب قطف ثمارها قبل أن تتعطّل فرص استغلالها.
في اليمن، تحديداً، أمكن للنموذج الآخر، وهو هنا الخليجي، أن يعطي مثالاً آخر لكيفية التعاطي مع أزمة داخلية في بلد مجاور. اذ لم يكن لدول مجلس التعاون دور في تفجير الصراع بين الحكم والمجتمع، ولم يتعجّل التدخل بل لم يقرر التدخل إلا بعدما ارتسمت ارادة دولية، وعندما طرح مجلس التعاون مبادرته استبقها بمشاورات طويلة بدأت بالرئيس اليمني السابق وانتهت عنده، ثم صيغت بالتشاور مع الأمم المتحدة بغية جعلها قراراً يصدره مجلس الأمن، وهو ما حصل فعلاً. وبهدف تسهيل تطبيق هذه المبادرة، خاض الخليجيون مفاوضات صعبة لإقناع الأطراف اليمنية بتأمين حصانة لعلي عبدالله صالح وأنسبائه، وبموجب قانون يمنع ملاحقته ومحاسبته سواء في قضايا سياسية وإدارية أو بقضايا مالية. وبعدما تنحّى وسلّم العلم الى خلفه عبد ربه منصور هادي، ترك الخليجيون إدارة المرحلة الانتقالية لليمنيين بإشراف مبعوث الأمم المتحدة، وحين كان الأمر يتطلب ابداء ملاحظة أو نصيحة كانوا يوجهونها باسم السفراء العشرة (خمسة خليجيين وخمسة يمثلون الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن). وحتى عندما بدأ المبعوث الأممي يرتكب أخطاء فضّلوا منحه فرصة كاملة، آملين في أن يبني عملية سياسية يلتزم بها «الحوثيون» أسوة بالشركاء كافة. ورغم أن «اتفاق السلم والشراكة» كان غطاء للاجتياح «الحوثي» لصنعاء فإن الخليجيين بادروا إلى مباركته، إلى أن تكشّفت معالم الصورة عن خطة مبيّتة لإسقاط الحكومة الشرعية وإدخال اليمن في نفق (حوثي - إيراني) لا يمكن إخراجه منه.
لذلك يعتقد كثيرون أن «عاصفة الحزم» تأخرت، وأن تأخرها فاقم الصعوبات الماثلة حالياً. وسواء تقصّدت السعودية وحلفاؤها كل هذا الصبر، مراهنين على دينامية حل داخلي، أو أنهم انتظروا للتيقن بأن كل الخيارات السلمية استنفدت، فإن «العاصفة» شكّلت ردّاً ضرورياً على إيران التي خططت لاستخدام «الحوثيين» في فصل اليمن عن محيطه العربي والخليجي، كما فعلت بالعراق وسوريا، بل لجعل اليمن خنجراً في خاصرة السعودية ووضع مدنها تحت مرمى صواريخه، وفوق ذلك لجعله مصدر تهديد وابتزاز لدول الخليج كي تستمر في تقديم المساعدات إلى «اليمن الحوثي - الإيراني» اتّقاءً لشره وخطره على أمنها واستقرارها. ومن أجل مشروع كهذا لم يولِ «الحوثيون» اعتباراً للأطراف اليمنية الأخرى كونها غير مسلحة ومدرّبة لمواجهتهم، ولم يبالوا بمناشدات مجلس الأمن، ولم يبدوا أي حرص على أهلهم وبلدهم، ومضوا قدماً لإخضاع الحكومة الشرعية ودفع اليمن نحو حال من الصوملة المبرمجة. لا اليمنيون أرادوا خياراً كهذا، ولا الخليجيون يرتضونه.
&
التعليقات