صالح عبد الرحمن المانع

زار ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان العاصمة الروسية موسكو الأسبوع الماضي، وعقد لقاءات عدة مع مسؤولين روس، ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد اصطحب الأمير محمد وفداً سعودياً رفيع المستوى، ضمّ كلاً من وزير الخارجية ووزير النفط ووزير الإسكان، وكذا الرئيس العام لهيئة الطاقة النووية والمتجددة في المملكة، وعدداً آخر من المسؤولين السعوديين.

&


وكان الهدف العام لهذه الزيارة هو إعادة العلاقات السعودية الروسية لسابق عهدها، حيث كانت تلك العلاقة تمر بفترات من التقارب وأخرى من التباعد. ومن ناحيةٍ تاريخية، فإن الاتحاد السوفييتي السابق كان من أوائل الدول التي اعترفت بقيام المملكة العربية السعودية عام 1926. غير أن سياسات الكرملين نحو المسلمين في الاتحاد السوفييتي قد عكّرت تلك العلاقة فترةً من الزمن، وتدهورت تلك العلاقة بشكلٍ كبير إبان حرب أفغانستان، حيث ساندت المملكة المجاهدين الأفغان الذين نجحوا فيما بعد في إخراج القوات السوفييتية من الأراضي الأفغانية. وخلال حرب تحرير الكويت، قدّمت حكومة المملكة قرضاً لموسكو بقيمة أربعة مليارات دولار، كدعم للاقتصاد الروسي الذي كان منهاراً حينئذ، ولحمل موسكو على إدانة احتلال صدام حسين للكويت، الذي كان حليفاً لها.

وبعد أن تولّى الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، السلطة، حاول تحسين العلاقات مع موسكو، وزار روسيا عام 2003، وأُعطيت بعض العقود لشركات نفطية روسية للتنقيب عن النفط في المملكة. وأدى رئيس الوزراء حينها بوتين زيارة للمملكة في عام 2007، وبدأ مجلس التعاون لدول الخليج العربية أيضاً بفتح مفاوضات للحوار الاستراتيجي مع موسكو. غير أن الثورة السورية وما تلاها من دعم موسكو لحرب بشار الأسد الدموية ضد شعبه، أثّرت سلباً خلال السنوات الأخيرة على العلاقات السعودية الروسية، وقادت إلى تجميدها.

وخلال تاريخها الطويل، ومنذ السبعينيات، دفعت المملكة فاتورة المشتريات العسكرية السورية، وكذا المصرية، من روسيا. وعدّت الشركات المنتجة للسلاح في روسيا ذلك دعماً لاقتصادها، في فترةٍ كان النفط والسلاح يمثلان فيها الصادرات الرئيسة للبلاد.

وفي العام الماضي، عرضت روسيا بيع طائرات وأنظمة عسكرية لمصر، على أن تتحمل المملكة تكاليف تلك الصفقات، غير أن الأبعاد السياسية حالت من دون إتمام ذلك.

وكانت هناك إشارات إلى تحسّن طفيف في العلاقات بين البلدين بعد تسلّم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للسلطة. وتبيّنت عودة الدفء إلى تلك العلاقات بتصويت روسيا -و عدم استخدام الفيتو- ضد قرار مجلس الأمن رقم 2216 في 15 أبريل 2015، الذي فرض حظراً على بيع الأسلحة للحوثيين في اليمن. وكان هذا عربون تحسّن للعلاقات بين الجانبين.

والاتفاقيات التي وُقِّعت مؤخراً في موسكو تتضمن التعاون في المجالات النفطية، وفي بناء مساكن للمواطنين السعوديين، وكذلك إنشاء عدد من محطات الطاقة النووية السلمية لإنتاج الكهرباء في المملكة. ومثل هذه المشاريع ستفتح الباب واسعاً أمام الشركات الروسية التي يُتوقَّع أن تفد إلى البلاد لتنافس الشركات الغربية والصينية والآسيوية الأخرى.

كما أن روسيا، الحليفة التاريخية لسوريا وإيران، يمكن أن تلعب أيضاً دوراً أكثر إيجابية في إيجاد حلّ دبلوماسي وسياسي للأزمة السورية. فوجود بشار الأسد في السلطة، والدعم الروسي له، أصبح عبئاً أخلاقياً كبيراً على صانع القرار الروسي. ويمكن أن تلعب موسكو دوراً أكبر في إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم تشجيع المليشيات على التلاعب بمصير الشعب اليمني. ومن الأهمية بمكان أن ننظر إلى العلاقات الروسية- السعودية ليس من منظار تمويل مبيعات السلاح للدول العربية، كما كانت الحال طيلة الأربعة عقود الماضية، بل يتعين النظر إليها من ناحية تنموية تقود إلى تعاونٍ حقيقي يخدم المواطنين، ويعزز من علاقات الصداقة بين البلدين، في مجالات عدة.

ولا شكّ في أن مثل هذا التعاون يحتاج إلى حسن النوايا من الجانبين، فالدول الكبرى في المنطقة، ومنها روسيا، تحتاج إلى تحسين صورتها الشعبية في ضوء الأحداث التي شهدناها في سوريا والتصرفات الإيرانية خلال السنوات القليلة الماضية، كما أن الحاجز اللغوي يمكن أن يكون عقبةً ثقافية في التعاطي بين المهندسين والتقنيين من الجانبين. ومن حسن الحظ أن هناك العديد من المتخصصين الروس ممن يتكلمون اللغة العربية، ويأمل أن يلعب هؤلاء، خاصةً المسلمين منهم، دوراً في تيسير التواصل اليومي بين المختصين والفنيين والتجار من الجانبين.
&