هاشم عبدالعزيز

بحسب مصادر «إسرائيلية»، قالت وسائط إعلامية في «تل أبيب» إن تركيا طلبت من «إسرائيل» منحها موطئ قدم في غزة مقابل إعادة العلاقة بين الطرفين إلى سابق ما عرف بأزمة «مرمرة» التي نجمت عن اعتداء القوات ال«إسرائيلية» على الباخرة التركية التي كانت تقل أعداداً من الناشطين من جنسيات متعددة أبحروا باتجاه فك الحصار عن غزة ولكنهم قُمعوا بوحشية.


الضجة التركية كانت صاخبة قبل أن تبدأ مرمرة إبحارها وهي ازدادت بعد أن آلت العملية إلى سقوط أكثر من ضحية. لقد بدت الأمور في تلك الأجواء الإعلانية والإعلامية كما لو أن تركيا تتصدر عملياً فك الحصار عن غزة، وهي بالتهريج أوهمت الناشطين بأنها تضمن وصولهم إلى حيث يريدون، والأهم أن لديها الثقة بأنهم سيكونون في أمان.


الرد ال«إسرائيلي» جاء مغايراً للتسويق التركي لجهة ما تعرض له الناشطون في الباخرة «مرمرة»، حيث ارتكبت جريمة وحشية على متنها، كما تجاهل العدوان ال«إسرائيلي» الأتراك الذين عجزوا عن فعل شيء ولجأوا إلى ردود فعل محدودة، وكان هذا طبيعياً لأن حزب العدالة والتنمية أراد استغلال مبادرة إنسانية في اتجاه فك الحصار على القطاع، ولم تكن غزة بمأساة أبنائها سوى مظلة عاطفية لأهداف سياسية تركية ما زالت محاولاتها متواصلة لاستعادة المنطقة العربية إلى «الحضن» التركي. وجاء هذا مرة باسم ملء الفراغ العربي، ومرة بسبب تغير الأوضاع العربية.


لقد أدى العدوان ال«إسرائيلي» على السفينة التركية إلى صدمة للأتراك لأنهم كانوا يستبعدون مثل هذا التصرف ال«إسرائيلي»، وقد تكون هذه الثقة عائدة إلى طبيعة العلاقات التركية ال«إسرائيلية»، وهي كانت على الدوام راسخة ومتنامية في شتى المجالات، وقد لا يستبعد أن يكون الأتراك حصلوا أيضاً على وعود من جهات «إسرائيلية» بهذا الشأن ما أدى إلى أن يعتبروا ما حدث كان غدراً بهم، فحاولوا أن يستعيدوا قدراً من الاعتبار لكن هذا لم يتحقق. من هنا يمكن القول إن المطالب التركية من «إسرائيل» الحصول على تسهيلات ومساعدة لنفوذها في غزة هي محاولة لإبرام صفقة معها.


ما كان بإمكان تركيا أن تصل إلى هذه المرحلة من عرض المقايضات مع «إسرائيل» لولا الانقسام بين «فتح» و«حماس»، والساقط على الأرض بين الضفة وغزة، وفي هذا الشأن يأتي التساؤل: هل كانت تركيا بعيدة عما تردد ذات مدة عن قيام إمارة إسلامية في غزة؟ وما هو الدور التركي لعرقلة المصالحة الوطنية الفلسطينية؟
مشكلة أردوغان أنه يتعامل مع القضايا العربية باستسهال واستخفاف وبردود الأفعال.


كان أردوغان نصب نفسه زعيماً للعرب من قلب مصر حين أتيح له ذلك في عهد الإخوان الذين دفعهم إلى الصعود ثم إلى الهاوية، ولأن التطورات أعادت مصر إلى دورها ومكانتها عربياً وإقليمياً تأتي الآن التحركات التركية في شأن السيطرة على غزة للتأثير الأمني في مصر في محاولة لابتزازها. إن الوجود التركي في غزة من البوابة ال«إسرائيلية» لا يحتاج إلى عناء لكشف أضراره ومخاطره على مستقبل القضية الفلسطينية والقضايا العربية.
في غزة لا يملأ الفراغ غير الفلسطينيين والمساعدات هنا تمر عبر ما هو فلسطيني وفي الأبرز السلطة الفلسطينية.
نعم الأتراك يلعبون على الانقسام السياسي وهنا تأتي مسؤولية الفصائل والفعاليات الفلسطينية.


والأتراك يعملون على استغلال خلافات «حماس» ومصر، وإذا كان لهذا أضراره فإن «حماس» ستكون في خطر مصيري جراء الجذب التركي لها من هويتها الفلسطينية والعربية.