تونس.. تعديل وزاري يخدم مصالح البرجوازية الطفيلية

&&توفيق المديني&

على الرغم من مرور خمس سنوات من عمر الثورة التونسية مع اقتراب موعد 14يناير الجاري، وكذلك مرور سنة كاملة من عمر الحكومة التوافقية التي تشكلت عقب الانتخابات التشريعية والرئاسية التي أنهت المرحلة الانتقالية، فإن تونس لا تزال بعيدة كل البعد نحو التوجه إلى بناء دولة ديمقراطية حقيقية تستجيب لانتظارات ثورة الشعب التونسي.

فالحكومة التوافقية التي تشكلت برئاسية السيد الحبيب الصيد، جمعت في بوتقتها تحالف اليمين الليبرالي العلماني مع اليمين الديني، وعكست أيضا، طبيعة العلاقة الإستراتيجية بين حركة «النهضة» وحزب «النداء»، عندما فهم المتابعون من أن العلاقة هذه أصبحت الآن ذات طبيعة إستراتيجية أي من ثوابت الواقع السياسي التونسي، ولم تعد مجرد تحالف تكتيكي بين طرفين سينتهي بانتهاء المرحلة أي بانتهاء ما بقي من الفترة الحالية التي تمثل امتدادا للمرحلة الانتقالية.

هذه الحكومة التوافقية باتت تعبر عن المصالح الفئوية والاجتماعية والطبقية للبرجوازية الطفيلية التونسية المدافعة عن خيار الاندماج في نظام العولمة الليبرالية، والخضوع لشروط مؤسساته المالية، وتركز كل خياراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في خدمة لوبيات مالية وسياسية تنتمي إلى العهد السابق، ومافيات التهريب والإرهاب والنهب المتشكلة بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق، وتحويل وجهة الثورة بالاستئثار بثروات الشعب في مقابل تفقيره وتهميشه ووضعه خارج دائرة الإنتاج وتركه في هامش إدارة الأزمة لا غير، وهو ما جعل المعارضة الوطنية والديمقراطية التونسية تقول عن حكومة الحبيب الصيد إنها حكومة تصريف أعمال، أكثر منها حكومة تمتلك رؤية إستراتيجية وسياسة واضحة. فقد عجزت حكومة الحبيب الصيد عن القيام بإصلاح اقتصادي عميق، يُعيد للطبقة الوسطى مكانتها القوية، ويُحقق عدالة تنموية جهوية فعالة، وإصلاحا جبائيا حقيقيا يُشرك الجميع في الأداء الضريبي بشكل أكثر عدالة ويقلص من الضرائب على الشركات ويجعل الأداء على القيمة المضافة أقل بكثير مما عليه الآن.

ولهذا لم يكن الشعب التونسي ينتظر شيئاً من التعديل الوزاري الذي قام به رئيس الحكومة السيد الحبيب الصيد، يوم الأربعاء 6 يناير الجاري.

لقد أقدم رئيس الحكومة الحبيب الصيد على إجراء هذا التعديل الوزاري الجديد بهدف إعادة هيكلة الحكومة سواء بالتقليص من عدد الوزارات وحذف عدد هام ومن كتابات الدولة، أو بإجراء «أقطاب وزارية» يتم ضمنها تجميع عدد من الوزارات تحت إشراف وزير واحد.. لكن هذا التعديل جاء في ظل تزايد المشهد السياسي ضبابية في تونس للأسباب التالية:

أولاً: تعيش تونس في ظل نظام مؤسساتي هجين. فمن الناحية الدستورية، تم التوافق على النظام «البرلماني المعدل» الذي قيّد صلاحيات رئيس الجمهورية حتى تقطع تونس نهائيا مع «النظام الرئاسي» ولا تُعاد تجارب سابقة، ومنح صلاحيات واسعة للبرلمان والحكومة، باعتباره نقطة التقاء بين حركة النهضة التي دفعت في سياق «النظام البرلماني المحض» والمعارضة التي دفعت في سياق «النظام الرئاسي».

ففي ظل هذا «النظام البرلماني المعدل» أصبحت السلطة التنفيذية موزعة بشكل لا متكافئ بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الذي تم تمكينه من صلاحيات أوسع ومنحته إدارة الشأن العام في تونس، في حين يضطلع البرلمان بالسلطة التشريعية والبعد الرقابي على نشاط الحكومة، إضافة إلى أن الكتلة الأكبر تحت قبة البرلمان هي التي تختار الشخصية التي تراها الأجدر لتشكيل الحكومة وترأسها.

ثانياً: حالة التشظي التي يعيشها الحزب الحاكم «حركة نداء تونس» في ظل خروج الأمين العام السابق للحزب محسن مرزوق، وسعيه إلى تأسيس حزب جديد، إذ يمثل شق محسن مرزوق الذي نَهَلَ من التجربة اليسارية للوطنيين الديمقراطيين بالجامعة التونسية، والذي اختار لاحقا الفضاءات الليبرالية، تيار ما يطلق عليه في عصر العولمة بــ«اليسار الليبرالي الأمريكي»، إضافة إلى تبنيه مشروع الحداثة للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.

ثالثاً: ستكون هناك تداعيات كبيرة لهذا الانفجار في رأس «حزب نداء تونس»، على صعيد عمل مؤسسات الدولة في ظل تجربة ديمقراطية هشة، وعلى اختلال التوازن بين الحزبين الكبيرين في تونس. فمن تداعيات هذا الانفجار، سيناريو حدوث الانقسام في كتلته البرلمانية (86 نائباً)، بعدما تشبث عدد من نواب نداء تونس (21) بالخروج من كتلة النداء نهائيا، وتشكيل «كتلة موازية». فإذا ما انقسم الحزب إلى قسمين، أصبحت الكتلة الممثلة له أقل عددا من الكتلة الثانية (حركة النهضة 69 نائبا)، وسيشهد المشهد البرلماني آنذاك انقلابًا جذريًا.

أخيراَ، تعتبر حركة النهضة المستفيد الأول من هذا التعديل الوزاري، إذ يعود وزير تكنولوجيا الاتصال السابق منجي مرزوق إلى التشكيلة الحكومية الجديدة في منصب وزير للطاقة والمناجم.

وبعودته يتعزز نصيب حركة النهضة إلى التشكيلة الحكومية الجديدة ليصبح لها وزيران أحدهما قيادي في الحركة وهو وزير التشغيل زياد العذاري، والثاني محسوب على الحركة وقريب منها وهو مرزوق الذي سبق وأن تم تعيينه في حكومة الترويكا ضمن حصة حركة النهضة.. هذا ويتردد أن وزير العدل عمر منصور تم اقتراحه من حركة النهضة.