غازي العريضي

بعد أسبوع من رفع العقوبات الأميركية والدولية عن إيران والدخول الفعلي في تطبيق الاتفاق النووي معها، انطلقت حركة سياسية إيرانية كبيرة في اتجاه الخارج، وزار طهران قادة ومسؤولون كبار. الرئيس الصيني زار العاصمة الإيرانية على رأس وفد كبير. كان اتفاق على تطوير العلاقات الاستراتيجية بين الصين وإيران، وصل إلى حد الاتفاق على تبادل تجاري بقيمة 600 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة. هذه خطوة كبيرة ومهمة، الصين وقفت إلى جانب إيران التي تخطط لإطلاق أكبر مشروع تطوير للبنى التحتية والصناعات المختلفة بعد عقود من الحصار والعقوبات التي فرضت عليها مما يعمّق العلاقات الثنائية، ويؤكد موقع إيران ويفتح أسواقها أمام الدول الكبرى والعملاق الاقتصادي المالي الكبير الآخر.


الرئيس روحاني زار العاصمة الإيطالية، التقى كبار المسؤولين فيها، تم توقيع عقود بين الدولتين بقيمة سبعة عشر مليار دولار. وأعلن رئيس الهيئة الإيطالية للتجارة الخارجية ريكاردو مونتي: «ثمة طابور انتظار للاستثمار في إيران»!

في الفاتيكان عقد لقاء مطوّل بين الرئيس الإيراني والبابا فرانسيس لمدة 40 دقيقة، أشاد خلاله البابا بالاعتدال في طهران، في وقت تشن حملة ضدها بأنها «راعية للإرهاب» و«داعمة للتطرف»، ودعا في الوقت ذاته إلى بذل كل الجهود لتكريس الأمن والاستقرار في المنطقة. وهذا مكسب سياسي دبلوماسي إعلامي لإيران.

أما في فرنسا، وقبل الوصول إليها، كان قد أعلن عن التوجه لتوقيع عقود لشراء 127 طائرة إيرباص، لأن إيران التي تريد إعادة بناء أسطولها للنقل الجوي الداخلي والخارجي بحاجة إلى 500 طائرة! وهي في الوقت ذاته تتجه نحو مفاوضات مع شركة «بوينج» الأميركية لشراء طائرات منها، وبالتالي توزيع الاستثمارات على مختلف الدول! كذلك فقد أعلن عن تأسيس شركة مشتركة بين «إيران خودو» و«بيجو» رصد لها 500 مليون دولار لإنتاج ثلاثة أنواع من السيارات! وطلب الرئيس الإيراني من فرنسا المساعدة في بناء مفاعلات نووية للطاقة السلمية. وتوجّه عدد كبير من رجال الأعمال من دول مختلفة للبحث في إمكانيات الاستثمار في إيران، فضلاً عن العلاقات القائمة والمستمرة مع روسيا والحديث عن اتفاقات مع شركات سويسرية وألمانية قد وقعت مؤخراً في مجالات مختلفة.

وفي هذا الوقت كان الداخل الإيراني يشهد تحركات ومواقف مختلفة، منها مثلاً استقبال المرشد خامنئي البحّارة الإيرانيين الذين اعتقلوا البحّارة الأميركيين، عندما دخلوا إلى المياه الإقليمية الإيرانية وصوروهم راكعين وأيديهم فوق رؤوسهم. أشاد خامنئي بهم وببطولاتهم وبموقفهم الذي جاء في الوقت المناسب، كما قال. ليضيف مسؤول البحرية في الحرس الثوري إلى كلامه هذا معلومات قال فيها: «إن تهديدات أطلقت للجهات الأميركية بتدمير البوارج واستهداف المروحيات التي كانت تحلق في محاولة لإنقاذ البحّارة المعتقلين فانكفأت وحلّت المسألة دبلوماسياً على قاعدة الاعتراف الأميركي بالخطأ»!

وقبل انطلاق الرئيس روحاني في حركته الأوروبية، أعلن عن اعتقال 100 شخص بتهمة الدخول إلى مبنى السفارة السعودية وإحراقها منذ أسابيع، في رسالة واضحة إلى الغرب بأن إيران تلتزم القانون الدولي، وتؤكد أن ما جرى كان خطأ، ولم يكن مبرمجاً، وأساء إلى إيران التي تعمل على محاسبة المسؤولين، ولتحميل المملكة العربية السعودية مسؤولية توتر العلاقات وعدم قبولها بالحوار وإيجاد الحلول الدبلوماسية الملائمة لكل المشاكل، استناداً إلى أن الدبلوماسية هذه هي التي عالجت أخطر الملفات مع «الشيطان الأكبر»، فلماذا لا تعالج ملفات وقضايا أقل خطورة مع الجار القريب؟

هي محاولة واضحة لتأكيد الالتزام بالاتفاقات مع الدول والظهور بمظهر الدولة المتماسكة والحريصة على الأمن والاستقرار في المنطقة، وتقديم نفسها على أنها دولة مستهدفة، وقد ظلمت بالحصار والعقوبات، وصمدت حتى أقر لها العالم بحقها!

ماذا يفعل الأميركي؟ في هذا التوقيت بالذات كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ومن الرياض، يطلق تهديدات مباشرة في وجه أركان المعارضة السورية، ويطلب إليهم القبول بالشروط المطروحة أمامهم للذهاب إلى جنيف وإلا لن يكون فوق رؤوسهم خيمة! وكانت إشادة بالدور الروسي في سوريا - سياسة الأرض المحروقة - مع إشارة إلى أن إيران هي دولة راعية للإرهاب، وأن جزءاً من الأموال التي ستحصل عليها قد يستخدم في تمويل عمليات إرهابية! دولة راعية للإرهاب، شريك في الحل في كل قضايا المنطقة، وترفع العقوبات عنها، ويشاد بدبلوماسيتها، وتُعطى المال مع القناعة بإمكانية استخدامه في عمليات إرهابية!

كيف؟ علينا- نحن- أن نفهم إذا أردنا أن نفهم، ثم نتخذ ما يجب اتخاذه من قرارات، وأولها عدم الوثوق بالسياسة الأميركية والبحث عن مصالحنا.
&