حسن مدن

في مثل هذا الوقت قبل خمسة أعوام، كان العالم العربي يمور بتحولات عاصفة، هي تلك التي أطلق عليها فيما بعد مصطلح «الربيع العربي» الذي يقال إن صحيفة «الإندبندنت» كانت أول من استخدمه في توصيف ما كان يدور، وسرعان ما بات على كل لسان، يتردد في المحافل والندوات وعلى المحطات الفضائية.


ولكن ما بدا أنه ربيع، أو بشارات ربيع يومها، سرعان ما تحول إلى أمر آخر، يمكن أن يكون خريفاً أو شتاء، ودخلت المنطقة في مسلسل مخيف من الفتن والحروب الأهلية والاقتتالات الداخلية، ما جعل حتى أشد المتشائمين في حيرة من أمرهم: كيف آلت تطلعات الشعوب في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية إلى ما آلت إليه، فبات المواطن العربي ينشد الأمن والاستقرار ويفضله بديلاً للمخاضات الدموية الجارية التي لا يعرف بعد ما إذا كانت قد وصلت إلى خواتمها، أو أننا لم نر حتى الآن سوى قمة جبل الجليد، وأن الآتي قد يكون أفظع مما جرى ويجري؟
والحق أن ما كانت الشعوب تهفو إليه حتى إن توارى تحت ضغط ما شاهدناه، فإنه يظل تطلعاً مشروعاً، يتصل بالدرجة الأولى بأحلام أجيال طالعة، تنشأ وسط متغيرات ومتحولات كبرى يشهدها العالم، وتطمح لأن تعيش في حال أفضل مما عاشت فيه الأجيال الأسبق، ما يجعل ضرورياً التبصر في الأسباب التي قادتنا إلى ما نحن فيه.


تبرز هنا مسألتان، لعلهما في صدارة ما يستحق الوقوف أمامه، أولاهما هو ما وقع فيه من تصدروا الهبّات التي جرت حين لم يفرقوا بين نظام الحكم والدولة، فالأخيرة هي مؤسسات راسخة تضمن وحدة الوطن وسيادته، فإذا استهدفت هذه المؤسسات ودُمرت فقد الوطن ثباته وديمومته، وآل إلى التشرذم والتمزق والعودة إلى ما كان عليه قبل بناء الدولة، ووجدنا نموذج ذلك فيما فعله الحاكم العسكري الأمريكي بريمر في العراق حين حلَّ الجيش وفكك مؤسسات الدولة. وهذا ما وقعت فيه بعض الهبّات التي شهدناها، خاصة حين جنحت نحو العنف والعسكرة.


أما المسألة الأخرى فهي وقوع بعض القوى المتصدرة لتلك الهبات أسيرة لإرادة الدول الإقليمية المحيطة بالعالم العربي، والمعنية بمصالحها، والتي توسلت الأَردية المذهبية للتستر على جوهر أجنداتها في بلداننا العربية، أكانت هذه الأردية شيعية أو سنية، كما في حالي إيران وتركيا، فخرجت الهبّات عن طبيعتها كتحركات شعبية مشروعة، لتتحول إلى حروب أهلية في الشكل، إقليمية بالوكالة في الجوهر.