&سامح فوزي

الهجرة غير الشرعية ليست «جنة» والدول المستقبلة نتيجة أزمات مالية متراكمة لم تعد قادرة على استيعاب المهاجرين غير الشرعيين، وتوفير سبل العيش لهم.بعضهم يفقد حياته فى رحلة الموت مثلما حدث فى رشيد منذ أيام، ومن ينج منهم يعيش فى بطالة أو يتقاضى أجورا منخفضة، لكنهم فى الوقت ذاته يشعرون بأن فرص عودتهم محدودة.

ويمكن أن نتحدث عن «اليونان» نموذجا لذلك. لا توجد إحصاءات حول حجم الهجرة غير الشرعية عامة، وإن كان بعض الباحثين يقدرها بنحو عشرين ألف شاب مصرى بالإضافة إلى الجنسيات الأخرى كل عام. ويأتى غالبية المهاجرين من الفئة العمرية من 18 إلى 35 عاما، من الحاصلين على التعليم فوق المتوسط الذين لا يجدون فرص عمل فى المجتمعات الريفية، ويشكلون فائضا بشريا لا يٌستفاد منه نتيجة تراجع معدلات التنمية من ناحية، ووجود روابط قروية وعائلية تشجع الشباب على الهجرة غير الشرعية.

وهناك محافظات، وأحيانا قرى معروفة بالاسم بأنها مصدر للهجرة غير الشرعية التى تقصد عادة دول شمال البحر المتوسط. ويدفع الشاب مبلغا للسمسار يصل إلى ثمانين ألف جنيه نظير تسفيره، يستدينه ثم يقوم بتسديده من حصيلة عمله. هناك مراكز لتجميع طالبى الهجرة غير الشرعية فى رشيد، ودمياط إلى حين دفعهم فى مراكب صغيرة، وهناك من يأتى محمولا جوا من خلال السفر إلى تركيا مباشرة، أو عبر السودان أو اليمن أو أى دولة عربية أخرى.

وفى تركيا يضع السماسرة المهاجرين غير الشرعيين فى مراكب صغيرة، ويدفعونهم إلى الأراضى اليونانية. ويعمل المصريون فى مجالات عديدة أهمها الصيد، وهؤلاء عادة ما يكونون عمالة شرعية تعمل بعقود عمل، ورغم ذلك يحصلون الآن على عوائد منخفضة مقارنة بما يجب أن يحصلوا عليه (يحصلون الآن على 800 يورو شهريا، فى حين ينبغى أن يحصلوا على 1200 يورو)، وفى بعض الحالات يعلن صاحب العمل خسارته، ويتنصل من دفع مستحقات العاملين لديه، يونانيين ومصريين، وفى أحيان أخرى يعطيهم عوضا عن الأجر حصيلة من السمك يقومون بتصريفها لحسابهم. وفى كل الأحوال فإن وجود عقد عمل بين صاحب العمل والعامل المصرى يضمن له حدا أدنى من الحقوق، وهو ما لا يتحقق فى حالة العمالة غير الشرعية،التى تعمل فى مجالات التشييد والبناء، والمطاعم، والمقاهي، والأسواق. وقد تراجع دور العمالة المصرية فى قطاع البناء بعد عام 2004م، حيث كانت اليونان تتحرك بسرعة قبل هذا التاريخ على مسار البناء والتشييد نظرا لانعقاد دورة الألعاب الأوليمبية، ويُلاحظ أيضا أن دخول مقاولين من أوروبا الشرقية أثر أيضا على دور المصريين فى قطاع البناء، حيث يجرى تفضيل المقاول من رومانيا على نظيره المصرى نظرا للكفاءة والالتزام واستيعاب المعايير الأوروبية المطلوبة.

ويعمل المهاجر أيضا فى المقاهى والمطاعم وأسواق الخضر والفاكهة، ويحصلون على عوائد مختلفة تتراوح بين 400،700 يورو شهريا. وأدت الأزمة المالية إلى انخفاض القوة الشرائية والانفاق مما أثر على عوائد المطاعم والمقاهي، وانعكس سلبيا على الأوضاع المالية للعاملين فيها. وتوفر عادة روابط القربى أو العلاقات المناطقية شبكة أمان اجتماعى للقادمين من «تحت»- وهو التعبير الدارج الذى يستخدمه المصريون فى حديثهم للإشارة إلى المجتمع المصرى ربما لوجوده جنوبا من اليونان- والمهاجر غير الشرعى غالبا ما يكون أعزب، لا يستطيع الزواج بمصرية إلا بعد سنوات طويلة، أو يهاجر متزوجا بمفرده دون أسرته (الزوجة والأولاد) التى يتركها فى مصر،ويظل لأمد غير معلوم بعيدا عنهم، يرسل لهم مصاريفهم عبر وسائل غير رسمية (اصدقاء، تجار.....)، نظرا لأنه لا يمتلك حسابا بنكيا لإقامته غير الشرعية، وإذا استطاع الزوج بعد سنوات الحصول على أوراق إقامة رسمية قد يستجلب أسرته. ولا يفضل الزوج أن تعمل زوجته، فهى فى غالب الأحيان «ربة منزل» ولكن لوحظ بعد الأزمة المالية، وبطالة الأزواج، اتجاه سيدات للعمل فى دور المسنين وأحيانا فى أعمال النظافة على نطاق محدودالهجرة غير الشرعية قضية معقدة، احدثت تغييرات عميقة فى البنية الاجتماعية فى بعض القرى المصرية لم تدرس بعد بدرجة كافية، تتطلب مواجهتها إجراءات أمنية، ومراقبة الحدود، والملاحقة القانونية للسماسرة، ولكن الأهم هو التنمية، واستيعاب الفائض البشرى فى الريف فى مجتمعه المحلي، وهو ما يتطلب تعاونا كثيفا بين شمال وجنوب المتوسط فى مجالات التنمية، حتى تنتفى دوافع الهجرة غير الشرعية.